ثم في مسألة القياس، القياس هو في الزكاة وارد وفي العبادات ومن استقرأ الكتب الفقهية في جميع المذاهب يجد أن القياس دخله، ليس هذا فيما يسمونه مدرسة أهل الرأي، ومدرسة الرأي ومدرسة الأثر، المدرستان كلاهما، المذهب الحنبلي. في الصيام ألا يقيسوا على مسألة الاستنشاق في حديث ((إذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما)) وقالوا إن الماء إذا دخل من الأنف وقاسوا عليه إذا دخل من غير الأنف، من أي منفذ آخر. موجود هذا في الصيام وفي غيره كما أشار أخونا الشيخ الخليلي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، تدل على أن للقياس مدخلا وقياس الشبيه بالشبيه، والنظير بالنظير حتى في العبادات. وفي الزكاة نفسها هي فيها كثير جدا من أمور القياس وهذا أمر أساسي لأن الاعتماد في موضوعنا على القياس، وأعتقد أن الموجدين هنا ليسوا من الظاهرية، لأننا نؤمن بتعليل الأحكام، وحتى الذين ينكرون تعليل أفعال الله سبحانه وتعالى من الأشاعرة وغيرهم يعللون الأحكام، هذا أمر معروف وجميع الفقهاء يعللون الأحكام ويبنون عليها أقيستهم فأنا أذكر بعض الأشياء التي جاء فيها القياس، مثلًا عمر رضي الله عنه أمر بأخذ الزكاة من الخيل لما بين له أن فيها ما يبلغ قيمتها مبلغًا عظيمًا من المال وتبعه في ذلك أبو حنيفة، ما دامت سائمة واتخذت للنماء والاستيلاد، أحمد أوجب الزكاة في العسل كما قال ابن القيم لما رود فيه من الأثر وقياسًا على الزرع والثمر وأوجب الزكاة في كل معدن قياسًا على الذهب والفضة. الزهري والحسن وأبو يوسف أوجبوا فيما يستخرج من البحر من لؤلؤ وعنبر ونحوهما الخمس قياسًا على الركاز والمعادن كل مذهب من المذاهب أدخل القياس فى أحكام عدة , كقياس الشافعية غالب قوت البلد أو غالب قوت الشخص على ما جاء به الحديث في الفطر من تمر أو الزبيب أو غيره وقياسهم كل ما يقتات على الأقوات الأربعة المذكورة فى بعض الأحاديث، والإمام الشافعي ذكر أن الذهب لم يجئ فيه حديث وقال ربما جاء فيه حديث لم يبلغنا أو هو قياس على ما جاء في الفضة، ويستبعد أن يكون هناك حديث في عصر الشافعي في الذهب لم يبلغه ولم يعرفه. وعلى كل حال القياس في جميع المذاهب في أمور الزكاة قائم ولا ينكر، يعني في هذا الأمر. وعلى هذا أقول: أخونا الدكتور علي يقول القياس لا يمكن أن يدخل في الزكاة وذكر مسألة الغنم وأربعين من الغنم ومائة من الغنم وكأنه يؤيد ابن حزم، لأن ابن حزم ذكر هذا أيضًا في نفيه للقياس وإبطاله للقياس وذكر عشرات غير هذا لأنه يرى أن الشريعة تفرق بين المتساوين وتجمع بين المختلفين، وذكر في هذا مئات الأمثلة مما رد عليه ابن القيم في كتابه "أعلام الموقعين"، ولكن لا أظن أن أحدًا يقول بهذا، وأنا عللت مسألة الغنم هذه في الكتاب ولا يتسع الوقت أن أرجع. مسألة القياس مع الفارق أن أهم فارق في الموضوع هو أن الأرض باقية بقاء نسبيًا أيضًا، والمصانع والعمارات وهذه الأشياء غير باقية، وأنا لكي أبطل هذا الفارق قلنا أن يحسب مسألة الاستهلاك، ومع هذا قد يقول قائل إن الأرض نفسها غير باقية لأن الأرض إذا لم تسمد دائمًا ويبذل فيها جهد ممكن أن تموت مع الزمن وتصبح أرضًا غير صالحة. وكما أشار أخونا الدكتور إبراهيم الغويل ممكن عوامل التصحر.