للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشيخ مصطفى الزرقاء:

تداولت الصحف هذا العنوان في هذه السنوات العشر الماضية، ودرج استعماله للدلالة على الحدث المفاجئ العجيب من منجزات العلم في العالم وهو نجاح تجربة التلقيح الصناعي بين نطفتي الذكورة والأنوثة ضمن أنابيب الاختبار في المختبرات الطبية، ثم نقل الجنين البدائي المتكون من هذا التلقيح وزرعه في رحم المرأة حيث يعلق فيه ويحضن وينمو ويتخلق مدة الحمل المعتادة، ثم يولد ولادة طبيعية كما لو كان حملًا متكونًا من اتصال جنس مباشر بين رجل وامرأة.

وكان قد نشر وشاع في أواخر الستينات الماضية أن طبيبين انكليزيين، هما روبرت إدواردز عالم (الفسيولوجيا) وباتريك ستبتو وجراح أمراض النساء، قد توصلا إلى تكوين جنين إنساني في وعاء اختبار، وأنه قامت حول هذا العمل ضجة استنكار عظيمة في الأواسط الدينية الكنسية تمنع متابعة هذا العمل وتراه محرمًا، وفي الوقت نفسه قامت ضجة فرح في الأوساط الإلحادية، إذ رأت في هذا لنبأ العظيم برهانًا على إمكان خلق الإنسان بطريق علمي تركيبي دون حاجة إلى تقدير وجود إله خالق، وزاد الموضوع غرابة ما ذكر من إمكان نقل هذا الجنين المخبري إلى رحم امرأة حيث يعلق وينمو ككل جنين مدة الحمل الكاملة، ثم تلده ولادة طبيعية.

وبين هاتين الضجتين اعترى كثير من القراء أو السامعين حيرة ودهشة، ولجأ بعض أهل الدين من المسلمين إلى التكذيب، ولجأ بعض الناس إلى الاستفتاء حول جواز تصديق النبأ، أو حول جواز الإقدام على هذا العمل إن كان النبأ صحيحًا" كما وجهت بعض الجرائد والمجلات أسئلة إلى بعض الأطباء، وإلى بعض علماء الشريعة أو المفتين، تطلب إليهم أن يبينوا آراءهم حول هذا الحدث والإنجاز العلمي والتقني الذي تم فيه، وما يقال في ذلك إذ أصبح في مقدور كل امرأة عقيم أن تحمل وتلد فتروي ظمأها إلى الأمومة، وظمأ زوجها إلى الأبوة بل أصبح في مقدور كل فتاة غير متزوجة أن تصبح أمًا دون أن تتزوج وتتصل جنسيًا بأي رجل، حيث صار من الممكن بل مما يدور في أفكار العلماء إنشاء بنك لنطف تحفظ بطريقة فنية تصونها من الفساد، فإذا أردت امرأة عقيم أو فتاة غير متزوجة إنجاب ولد فما عليها الآن إلا أن تأتي إلى الطبيب الأخصائي ليزرع بعملية تقنية خاصة في رحمها منيًا مهيأ في وعاء خاص مخبري، لتحمله ثم تلده في نهاية مدة الحمل فتصبح أمًا.

وإن كانت العقيم متزوجة، وتحرص هي وزوجها على أن تكون بزرة الجنين منهما شخصيًا يستطيع الطبيب أن يأخذ النطفة التي فيها (الحوين) المنوي من زوجها، ويأخذ البويضة من مبيضها هي في الموعد الذي تتولد فيه البويضة (وهو اليوم الرابع عشر من بدء كل دورة طمثية) فيلقحها في الوعاء المخبري والوسط المناسب، ثم ينلقها ملقحة آخذة في النمو، وفي الوقت المناسب إلى رحمها لتعلق وتتطور فيه إلى جنين كامل تلده في نهاية مدة الحمل فيكون ولدًا لهما من أصلابهما كما لو أنجباه بالاتصال الزوجي الطبيعي.

بل كتب وقرأنا أكثر من ذلك عن الإمكانات المستقبلة المتوقعة لثمرات هذا الإنجاز العلمي وفوائده، أنه قد يلجأ إلى هذه الطريقة المخبرية في إنتاج الأطفال لتحسين النسل في الأسر ليكون النسل أصح وأقوى بنية وصفات ومميزات، إذ يمكن تلقي بويضات شتى مأخوذة من نساء مختبرات عديدات، بنطفة من رجل قوي سوى جسمًا وذكاء، فيعمل قانون الوراثة الطبيعي عمله في أن يكون الأولاد الذين يتكونون بهذه الطريقة كلهم أصحاء جسمًا وعقلًا.

والمزية المدعاة لتلقيح عدد من البويضات مخبريًا أن ذلك يتيح للطبيب فرصة اختيار أجنة أفضل خلال وجودها في الوعاء المخبري بعد تلقيح البويضات وبدء نموها قبل اخذها للزرع في الأرحام، لأن من الممكن في هذه المرحلة تمييز اللقائح الجنينية الأحسن والأصح نموًا وتكونًا في مراحل التطور الجنيني، فتختار اللقيحة أو اللقائح الفضلى لتزرع في الرحم ويتلف الطبيب ما سواها.

<<  <  ج: ص:  >  >>