للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقدمة

طبيعة البحث الفقهي في هذه المسألة

والمستندات الشرعية لدراستها

إن النظر في حكم انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، حياً أو ميتاً، في الشريعة الإسلامية إنما يدخل في المسائل الاجتهادية الفقهية الحديثة، ولعله من أهمها ومن أحوجها إلى الدراسة الشاملة ابتغاء الوصول إلى حكمها، أو أحكامها، في شرع الله عز وجل، بحيث تستند إلى أدلة يقتنع بها أولو الملكة الفقهية السليمة، ويطمئن إليها أولو البصيرة الإسلامية المخلصة.

ومما لا ريب فيه أن هذا البحث يتصل اتصالاً مباشراً ووثيقاً بجملة من القواعد الفقهية الكلية من شأنها أن تنير السبيل بوضوح أمام تلمس حكم الشريعة الإسلامية، أو أحكامها، في هذا الموضوع الهام.

ولعل من المناسب أن نبدأ فنتعرف على هذه القواعد أولاً، ثم نتخذ منها الدليل الهادي على طريق دراسة هذا البحث الذي سنجد أنه يتصل ببعض المسائل الجزئية مما قد تناوله الفقهاء وفرغوا من دراسته وبيان حكمه، بل أبرمت السنة المطهرة بشأن بعض منها.

أوسع هذه القواعد شمولاً، وأرسخها في البنيان الفقهي، قاعدة المقاصد الخمسة والترتيب الذي صنفت ـ من حيث الأهمية ـ على وفقه. وهي كما نعلم: مقاصد الدين فالحياة، فالعقل، فالنسل، فالمال.

ومما يجدر بلفت النظر إليه أن كثيراً من العلماء يعبرون بالعرض بدلاً من النسل، وكثير منهم يضيفون إلى هذه المقاصد الخمسة العرض، وذلك لإدخال حق الكرامة، بل القدسية الإنسانية، في مجموعة المقاصد التي تدور عليها أحكام الشريعة الإسلامية (١) .

وسواء علينا أن استعملنا عبارة " النسل " أو " العرض " أو استعملناهما معاً، فإن تنويه الإسلام بقدسية الإنسان وكرامته، ورعاية الشريعة الإسلامية لذلك في سائر الأحكام، حقيقة ثابتة لا يرتاب فيها باحث أو فقيه، ومن ثم فإن رعاية الكرامة الإنسانية داخلة دخولاً أولياً في المقاصد أو المصالح التي هي محور الشرع الإسلامي الحنيف.

القاعدة الثانية: انقسام جملة الحقوق الشرعية إلى قسمين: حق لله، وحق للعباد وإنما يجوز التصرف بما هو حق للعباد أو غلب عليه حق العباد. ثم إنه يكون حقاً أصيلاً ومباشراً بالنسبة لمن أعطي هذا الحق أصالة، سواء كان على وجه التمليك أو التمتيع، ويكون حقاً فرعياً ومقيداً بالنسبة للولي أو الوكيل.


(١) انظر شرح المحلى على جمع الجوامع، وحاشية البناني عليه: ٢/١٧٩

<<  <  ج: ص:  >  >>