للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المجموع شرح المهذب للنووي في المجلد التاسع منه:

لو أراد المضطر أن يقطع قطعة من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف، وصرح به إمام الحرمين وغيره، وإلا ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما.

ثم قال: ولا يجوز أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف. صرح به إمام الحرمين والأصحاب ـ يعني أصحاب الشافعي.

إن الله سبحانه أكرم الإنسان ميتاً كما أكرمه حياً، قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} عبس: ١٧-٢١. فجعله سبحانه بعد موته مقبوراً، فالواجبُ على المسلمينَ دفن الميت منهم كله لا بعضه، فانتهاكُ حرمة الميت المسلم كانتهاك حرمته حيا، فقد رُوي عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن كسر عظم الميت ككسره حيا)) رواه مالك وأبو داود وابن ماجة.

وقد جوز الفقهاء شق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الذي يرجى حياته، كما جوزوا بقر بطن الميت إذ كان في بطنه مال ابتلعه في حياته لإخراج المال منه إذا بلغ المال نصاب السرقة أو نصاب الزكاة على خلافهم في قدر المال الذي من أجله يشق بطن الميت، وقال بعض العلماء على ذلك جواز تشريح المجني عليه الذي مات قبل إثبات الجريمة لأجل إثبات الجريمة المتنازع عليها، ورأي الفقه في ذلك ظاهر؛ لأنه تعلق حق الغير، أو إثبات حق الغير بذات شخص معين وكان ميتا فانتهك حرمته لأجل هذا، وأما انتهاك حرمته بقطع بعض أعضائه لجعلها قطع غيار لغيره فليس من قبيل ذلك، فلا أجد في نظري القاصر وجهاً لإباحة ذلك مطلقاً، لا بوصيته حال حياته، ولا بإذن أقاربه بعد موته، وقياس الاضطرار بالمرض على الاضطرار بالجوع غير صحيح لوجود الفرق بينهما. والله أعلم.

الشيخ آدم عبد الله علي

<<  <  ج: ص:  >  >>