للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على أنه لا يجوز الانتفاع بجزء من أعضاء الآدمي إلا إذا لم يقم غيره مقامه، ولو نجاسة مغلظة. وغير خاف أن ما ذكرته خاص بالمضطر إلى تناول لحم الآدمي بالمخمصة، وأما المضطر إلى الانتفاع بأعضاء الآدمي للعلاج فقد قرر بعض من الشافعية جواز جبر العظم المنكسر بعظم الآدمي إذا لم يجد ما يصلح لذلك، ولو نجساً مغلظاً، وقرروا أيضاً أنه لا فرق بين كون العظم من ذكر وأنثى، فقد قال الشيخ عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج شرح المنهاج: فيجوز للذكر الوصل بعظم الأنثى وعكسه. ثم قال: وينبغي أن لا ينقض وضوءه ووضوء غيره بمسه وإن كان طاهرا ولم تحله الحياة؛ لأن العضو المبان لا ينقض الوضوء بمسه إلا إذا كان من الفرج، وأطلق عليه اسمه اهـ.

وبمثل هذا أفتى فضيلة العلامة الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق بجواز نقل عيون الموتى لمعالجة الأحياء، وقيد الفتوى بقيود يلزم اعتبارها. هذا ولم أقف على جواز الانتفاع بأعضاء الآدمي الحي، بل الذي وقفت عليه في كتب الشافعية عدم جواز ذلك إذا كان اللآدمي معصوماً، قال النووي في المجلد التاسع من المجموع صحيفة: ٣٧: ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره بلا خلاف، وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف. وهذا في رأيي هو الصحيح إن شاء الله لأن في إباحة الانتفاع بجزء من أعضاء الإنسان الميت دفع الضرر عن الإنسان الحي، وحرمة الحي أعظم من حرمة الميت كما تقدم ذكره، وهو - أي الانتفاع بأعضاء الميت - وإن كان فيه هتك لحرمته ليس فيه إيلام ولا إلحاق الضرر به، وأما الانتفاع بأعضاء جسم الحي وإن كان لدفع الضرر عن حي مضطر ففيه انتهاك حرمة صاحب العضو وإلحاق الضرر به، والضرر لا يدفع بالضرر، ولا يقاس ذلك أي الانتفاع بأعضاء الحي على الانتفاع بالدماء التي يتبرع بها الناس اليوم للمرضى فإن الدم سائل من البدن يرجع إليه مثله بلا مشقة ولا يلحق المتبرع به ضرر، ولا شين في البدن غالباً. هذا وبالله التوفيق.

الشيخ محمد عبد الرحمن

<<  <  ج: ص:  >  >>