الزكاة في اللغة النمو، والزكاء النماء، قال ابن منظور في لسان العرب: الزكاء ممدودا النماء والريع: زكا يزكو زكاء وزكوا: نما.. وفي حديث علي كرم الله وجهه: المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق.. والزكاة الصلاح، وزكاه، وزكى نفسه مدحها.
والزكاة في الشريعة الجزء الذي فرضه الله في المال يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء، وهو قول الأئمة مالك والشافعي وأحمد، فهي جزء من كل ما فرضت فيه الزكاة، ولا تقبل بدله القيمة، وقال أبو حنيفة: إنها جزء من المال مقدر.. أي أن قيمة هذا الجزء تقبل عند الأداء. والذي ترجحه الأدلة هو الأول، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال:((خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر)) رواه أبو داود وابن ماجه.
وهكذا يبدو أن هذا الجزء المأخوذ من أموال الأغنياء لفائدة الفقراء سمي زكاة؛ أخذا من قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة: ١٠٣.
فقد وصفها الحق تعالى بأنها تزكى، في حين أنها في العد والحساب تنقص اثنين ونصفا في المائة في زكاة المال، وعشرة في المائة من نتاج المزروعات.
ذلك لأن أداءها من الأغنياء للفقراء يحدث تعاطفا وتراحما بين الفريقين، وتضامنا وتكافلا بين أعضاء المجتمع، فلا يوجد سبب للصراعات المحدثة في هذا العصر، والتي هي مظهر من مظاهر الطبقية المقيتة، والتي يتغنى بها من يصفون أنفسهم بالكادحين تارة، والمسحوقين تارة أخرى، مما أوقد ويوقد نار الفتنة والحقد والحسد والبغضاء بين الناس عندما ابتعدوا عن تعاليم الإسلام وهديه.
فالحق سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه عليه السلام بقوله:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: ١٠٣. وصف هذا العمل بأنه يطهر ويزكي.. فهو يطهر النفوس من الحقد والحسد، ويطهر المال من كل الشوائب ويزكيه وينميه بتوفيقه لمالكه والمتصرف فيه باستعماله استعمالات تدر عليه أرباحا كثيرة، وبذلك ينمو ويزداد كلما أخذت منه الزكاة، واندفع صاحبه للعمل به في وجوه البر والخير والإحسان. وبتتبع تعاليم الإسلام عاشت الأمة الإسلامية عصورا زاهرة لم يعرف فيها هذا المظهر الطبقي المشين.
فالزكاة كانت تؤدى لمستحقيها فتثير في النفوس كوامن الحب والتعاطف، وكان المجتمع الإسلامي بفضل ذلك كالجسد الواحد، لا فرق بين غني وفقير، وصدق الله العظيم:{تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} التوبة: ١٠٣.