في عهد النبوة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث العاملين على جمع الصدقة، ويصرفها في مستحقيها؛ طبقا لما أمره الله به:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . التوبة: ١٠٣.
ومعلوم مما سبق أن بيان مستحقيها لم يتركه الله سبحانه لاجتهاد أحد ابتداء من الرسول عليه السلام، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:((إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك)) .
فالله تعالى تولى بيان المستحقين الذين تعطى لهم الزكاة في آية التوبة السابق ذكرها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} التوبة:٦٠.
وجاء بعده خلفاؤه الراشدون فبعثوا عمالهم على الصدقات، وكانوا يجمعونها ويضعونها في أهلها، ويأتون الخليفة ببعضها، كما تشير إليه الأحاديث والآثار السابقة في هذا البحث المتواضع.
وعليه، فالأصناف الثمانية لم تكن الصدقة توزع عليهم بالتساوي، لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه، فالثابت بالنصوص المذكورة سابقا تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى من الصدقة لبعض الفقراء والمساكين ولبعض المؤلفة قلوبهم، وكان الفرق عظيما بين ما أعطى لهؤلاء ولهؤلاء، وحتى لصنف واحد لم يكن يعطيهم بالتساوي، وليس في الآية التي نصت على الأصناف الثمانية ما يفيد أنه يجب القسمة بينهم بالتساوي، ولا بين أفراد كل صنف منهم ... وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم معاذا عندما أرسله إلى اليمن فأمر أن يأخذ صدقاتهم ويردها في فقرائهم، ولم يوصه بقسمتها بالتساوي بين الأصناف، ولا بين أفراد الصنف الواحد، مما يدل على أن للموزع أن يجتهد ويعطي كل فرد وكل صنف ما يدفع عنه غائلة الفقر والمسكنة أو ما يفيد أي إنسان من الأصناف الأخرى.. لأن الغرض هو سد الخلة عند الفقراء والمساكين وما يحقق القصد من وضعها في أي صنف من الأصناف الأخرى من المؤلفة قلوبهم والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وكذا العاملين عليها.