للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الأول

فصل: في الشركات: لغة، وشرعاً، وحكمها في الأصل، وحكمة تشريعها.

الشركات في اللغة العربية: جمع شركة (بكسر الشين وسكون الراء) ، وقد تفتح الشين وتكسر الراء، والأول أفصح، ومعناها خلط أحد المالين بالآخر، بحيث لا يمكن التمييز بينهما.

ويقال: شركته في الأمر، أشركه شركة وشركة إذا صرت له شريكاً.

ويقال أيضاً: شاركه في شركة، أي صار شريكه فيها، كما يقال: اشتركا في كذا وتشاركا في كذا، في البيع، والشراء، وفي الإرث، وما إلى ذلك من العقود والامتلاك.

والشركة في اصطلاح الفقهاء: ثبوت الحق شائعاً في شيء واحد، أو عقد يقتضي ذلك، وهي أيضاً عبارة عن عقد بين شخصين فأكثر على الاشتراك في رأس المال وربحه، أو في الربح وحده إذا لم يكن رأس مال، أو كان المال من طرف والعمل من طرف آخر.

ولكنها تختلف باختلاف أنواعها؛ لأنها تتنوع إلى عدة أنواع، كما سنذكره إن شاء الله.

وحكم الشركة مبدئياً: الإباحة، فقد أباحتها الشريعة بمصادرها الأساسية: الكتاب، والسنة، والإجماع.

ففي الكتاب قوله تعالى: {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} النساء: ١٣: قد بينت الآية أن إخوة الميت الذي ليس له ولد ولا والد يشتركون في ثلث المال الموروث. وفي الحديث القدسي: قوله تعالى: ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإن خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما)) رواه أبو داود، والحاكم، والبيهقي.

وفي الحديث النبوي: قوله صلى الله عليه وسلم: ((يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا)) ، رواه الدارقطني، فالشركة محمودة ومبرورة إذا حفظ كل شريك حق شريكه الآخر فيها.

وقد وقع التشارك في الأموال وتنميتها بين النبي صلى الله عليه وسلم وبعض من أصحابه، كما حصل بينه وبين سلمان الفارسي رضي الله عنه.

وأبرمت الشركات بين كثير من الصحابة من بعضهم البعض، كما ثبت في الأخبار والآثار.

والإجماع منعقد على إباحة أصل الشركة، إلا ما قام الدليل على حرمتها، أو أصبح ذريعة لأكل أموال الناس بالباطل، كما نقل الشوكاني في "نيل الأوطار" عن ابن بطال، وكما نقل محقق كتاب "خبايا الزوايا" للزركشي عن ابن حزم في "مراتب الإجماع " وكما في "بداية المجتهد" لابن رشد.

وحكمة مشروعية الشركة في نظر الإسلام: التعاون بين أفراد المجتمع بالمحافظة والتنمية والتوفير. وفتح مجال العمل والاستثمار أمام المجتمع، كما في شركة المضاربة بصورة ظاهرة، فقد يكون لدى أحد الأشخاص مال، ولكن لا يستطيع استثماره، كما قد يكون لدى أحد الأفراد خبرة واستعداد في التجارة ولكنه خالٍ عن رأس مال.

ومن هنا أجاز الإسلام عقود الشركات كالمضاربة.

<<  <  ج: ص:  >  >>