فصل في مقاصد الزكاة، والأموال التي وجبت فيها
للزكاة مقاصد كثيرة وحكم عالية؛ إذ هي قبل كل شيء غرس لمشاعر الحنان، وتوطيد لعلاقات التعاون بين الناس، وهي مظهر التعاون، وعلامة الأخوة بين المسلمين، ووسيلة التكافل بين طبقات المجتمع وأفراده.
ومبعث حكمها ومدار مقاصدها:
أنها تقوم على تضامن الأفراد؛ لأن نزول الأغنياء من مبلغ معلوم زائد عن حاجتهم الأساسية لمن يستحقه من الفقراء فيه تحقيق معنى التضامن الذي أوجبه الله بين المسلمين، قياماً بحق الفقراء، وسد حاجاتهم، وحفظ كرامتهم عن ذل السؤال، فيطهر قلوبهم من الحقد والحسد للأغنياء، ففي الآية الكريمة إشارة إلى ذلك: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: ١٠٣ أي: تطهر نفوسهم وتزكي أعمالهم، كما فسرها بعض المجتهدين كالماوردي في "الأحكام السلطانية" وابن تيمية في فتاويه، والقرطبي في تفسيره.
ويقول الزمخشري عقب تفسير قوله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} الحديد: ٧: (إن هذه الأموال التي بين أيديكم إنما هي أموال الله بخلقه وإنشائه لها، وإنما مولكم إياها وخولكم الاستمتاع بها، وجعلكم خلفاء بالتصرف فيها، فليست هي أموالكم في الحقيقة، وما أنتم إلا بمنزلة الوكلاء، والنواب، فأنفقوا منها في حقوق الله، وليهن عليكم الإنفاق منها، كما يهون على الرجل الإنفاق من مال غيره إذا أذن له) الكشاف ٣/٢٠٠.
ويقول القاضي ابن العربي: إن الله خص بعض الناس بالأموال دون بعض، نعمة منه عليهم، وجعل شكر ذلك منهم: أن يتضح في صورة إخراج سهم يردونه إلى من لا مال له. نيابة عنه سبحانه، فيما ضمنه بفضله في قوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} هود: ٦، كما في أحكام القرآن.
ويقول الإمام الرازي في التفسير الكبير: "إن الفقراء عيال الله، والأغنياء خزان الله؛ لأن الأموال التي في أيديهم أموال الله، فليس بمستبعد أن يقول المالك لخازنه: اصرف مبلغاً مما في تلك الخزانة إلى المحتاجين من عيالي" ١٦/١٠٣.
وإنها تطهر النفس من وباء الشح ومرض البخل، فيستحقون الفوز والفلاح، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} الحشر: ٩.
وإن الأموال التي تجب فيها الزكاة فهي معروفة مبينة في كتب الفقه وهي: الأموال النامية بطبيعتها، أو المعدة للنماء.
كالأنعام السائمة التي قصد منها التناسل، وكالزروع المزروعة للاقتيات وغيره وكالنقود وعروض التجارة.
فالزكاة تجب في هذه الأموال النامية، سواء كانت أموالاً مشتركة أو خاصة بشروطها المعروفة.