أجمعت الشرائع السماوية على حرية التملك واقتناء الأموال، وحثت الشريعة الخاتمة على العمل والسعي، ونظمت البحث عن المال وطريقة تحصيله , وجعلت العمل أساسًا وسببًا لملكية الإنسان نتائج كده وكفاحه، وقد سخر الله سبحانه هذا الكون الفسيح , وجعله ميدانًا لنشاط الإنسان بما يحويه من مصادر للرزق وموارد للثروة , وينبوعًا لا ينفذ ولا يقصر عن حاجته , وركب المولى عز سلطانه في فطرة الإنسان غريزة التملك وحب الاقتناء , فأقبل بفطرته يستنبت سطح الأرض مختلف الزرع والثمار من الغابات والصحارى على كل ما يريد من الأخشاب والحيوان , ثم أخذ يتجه إلى الماء , فاصطاد أسماكه وشاركها السباحة فيه والغوص في أعماقه بحثًا عن اللآلئ الثمينة والتقاطًا للأحجار الكريمة واستخراجًا للثروات المختلفة , ثم مخر عبابه بالفلك، فقرب القاصي، وأدنى البعيد من الجهات , ثم اتجه إلى السماء , فاقتنص طيورها , ولم يرض حتى شاطرها الطيران في أجواء الفضاء طاويًا بذلك ما بقي بين سائر جهات الأرض من مسافات، ولم يقف في شيء مما حصل عليه من الثروات عند صورتها الأولى , وإنما عالجها وغير من أشكالها وتركيباتها وفق حاجاته واستعمالاته وتطلعاته باذلًا في سبيل ذلك غاية الجهد؛ كي يفيد منها أقصى فائدة , ويحوز منها أكثر ما يقدر عليه استجابة لميله وما فطر عليه من حب التملك والاقتناء.
وقد استجاب الإسلام - وهو دين الفطرة - لميول الإنسان هذه دون أن يترك لها العنان حتى لا ينقلب إلى أداة فساد وطغيان , ولم يقف عقبة إزاء تلك الفطرة الداعية إلى حب التملك والاقتناء؛ لأن حب التملك غريزة فطر عليها الإنسان , وهي في قوتها واندفاعها تفوق غيرها من الغرائز , إلا غريزة حب البقاء. والإنسان مطبوع على الاستجابة لغرائزه وإشباعها بالعمل والحصول على ما يرغب فيه , ولذلك يرى كادحًا ساعيًا إلى جمع المال والاستكثار فيه , يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لو كان لابن آدم واديان من المال لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) (١)