وكنت قد قمت بسؤال مجموعة من أطباء الأطفال العاملين في الولايات المتحدة عندما كنت في زيارة لها في يناير ١٩٨٣ فذكروا لي أن بنوك الأطفال في الولايات المتحدة في مرحلة الاحتضار وذلك للأسباب التالية:
١- الحاجة إليها نادرة.
٢- تكلفتها عالية جدًا.
٣- ندرة الأمهات المتبرعات باللبن.
٤- يتعرض اللبن المتجمع للفساد مع الزمن رغم حفظه في البنك فهو معرض لإصابته بالميكروبات كما أنه معرض لتحلل بعض المواد الموجودة فيه فيفقد بذلك بعض مزاياه وفوائده.
ما هي محاذير استعمال بنوك اللبن؟
١- أن أول هذه المحاذير التي ينبغي أن نركز عليها في المجتمعات الإسلامية هو المحذور الديني وذلك أن جمع اللبن من أمهات متعددات وخلطه ثم إعطاءه الأطفال يؤدي إلى عدم معرفة مَن من النساء أرضعن مَن من الأطفال، فإذا حدثت الجهالة قد يؤدي ذلك إلى أن يتزوج الأخ أخته من الرضاع أو خالته أو عمته والرسول صلوات الله عليه يقول ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) وسنناقش فيما بعد بإيجاز أقوال الفقهاء المحدثين والسابقين في هذا الموضوع الحساس.
٢- أن بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تقنيًا مثل الولايات المتحدة محفوفة بمجموعة من المحاذير التي سبق الإشارة إليها وهي أن كلفتها عالية جدًا، وأن اللبن المتجمع يتعرض إما لإصابته بالميكروبات وإما لفقدان بعض خصائصه وميزاته نتيجة تحلل المواد الموجودة فيه مع تقادم الزمن، ولندرة الحاجة إليه.
٣- أن بنوك اللبن في البلاد النامية تتعرض لهذه المصاعب بصورة أشد وأعتى لأن درجة التقنية والنظافة أقل بكثير مما هي عليه في الغرب، وذلك فإنها بالإضافة إلى كونها باهظة التكاليف جدًا بالنسبة للبلاد الفقيرة تعتبر غير ذات فائدة كبيرة لتعرض اللبن إلى الإصابة بالميكروبات.. ولتحلل مواده الهامة بالتخزين الطويل.
يقول الدكتور ممدوح جبر وزير الصحة السابق في مصر وأستاذ طب الأطفال ورئيس نقابة الأطباء: "إن الفكرة تطرح في مصر قليلًا جدًا، ولدى فئة متخصصة قليلة وهي المهتمة بشئون الأطفال المبتسرين (أي الحذج) لأنهم يحتاجون بشدة إلى الرضاعة الطبيعية، ولا يمكن للطفل من الحصول المباشر عليه، ولكن رغم أن الفكرة (أي فكرة بنوك الحليب) تم تنفيذها في بعض البلدان الأوربية وفي أميركا وتحقق نجاح كبير هناك (سبق أن قلنا إن بنوك الحليب في الولايات المتحدة تحتضر) إلا أنه يصعب تنفيذها هنا داخل مصر أولًا، لأن الرضاعة الطبيعية ليس فيها مشكلة في مصر لأن نسبة ٨٥ % من الأمهات المصريات يرضعن أبناءهن رضاعة طبيعية والباقي توفر له الحكومة الألبان الطبيعية (أي المرضع) والباقي توفر له الحكومة الألبان الصناعية المناسبة وبعض البدائل الأخرى (من) الرضاعة.
ثانيًا: تنفيذ المشروع يحتاج إلى تكاليف مرتفعة جدًا إذا أردنا توفيره للأطفال العاديين لأن طريقة جمع اللبن نفسها سوف تحتاج إلى كثير من الجهد والوقت كما أن عمليات التعقيم والتبخير والحفظ تحتاج إلى كثير من العمليات وكثير من التكلفة حتى تصل إلى الطفل الثاني الذي سوف يحصل على هذا اللبن إلى جانب أن طريقة إعطاء اللبن للطفل أيضًا سوف تعرضه إلى التلوث، أما عن طريق الرضاعة التي سيتناول بها أو عن طريق الماء وغيره" (١)
(١) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص ٤٦٠ نقلًا عن الأهرام ٢٣/ ٨/ ١٩٨٣ حتى ٢٩/ ٨/ ١٩٨٣