للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بدا لي بعد كتابة ما سبق أن الفقهاء بحثوا مسألة قريبة من مسألتنا، وهي القراض أو المضاربة بالدين الذي لرب المال على العامل (ضارب بما لي عليك من دين) ولم يجيزوها، ما لم يقبض رب المال الدين المستحق، فتتحول يد المضارب من يد ضمانة إلى يد أمانة، وتمتنع التهمة، لأن المدين قد يكون معسرا، أو راغبا في الاحتفاظ بمبلغ الدين، أي تأخير وفائه على أن يزيده فيه. هذا مع أن المسألة التي بحثها الفقهاء يتحول فيها الدين إلى شركة تحولا كاملا. أما مسألتنا فإن الدين يبقى فيها دينا، ويتحول إلى شركة جزئيا، بحيث يبقى دينا وشركة في آن معا. مما يجعل مسألتنا تجاريها وتباريها في الحرمة، بل عدم جوازها أولى والله أعلم. فإما قرض وإما شركة، أما قرض شركة فلا. هذا ولم تعترف بعض القوانين الوضعية بهذا القرض المشارك، بل اعتبرته شركة باطلة، هي شركة الأسد soviete leonine (١) .، لأنها شركة في الغنم دون الغرم، أي في الربح دون الخسارة. وذهبت تلك القوانين إلى أن الربح إذا تحقق (وزاد نصيب المقرض فيه على الفائدة المسموح بها قانونا، أنزل النصيب إلى الحد القانوني) (٢) . وحتى لو شارك القرض في الخسارة بالإضافة إلى أن الربح لم يجز، لما في اجتماع القرض والقراض من تعارض وتنافر كما بينا.

ثم إن النظم الاجتماعية ذوات النزعة الإنسانية تميل دائما إلى توسيع قاعدة الملكية، ملكية وسائل الإنتاج التي تتصاعد أهميتها في العالم المعاصر، وملكية العقارات والثروات الأخرى. ومن شأن سندات المقارضة أنها تميل إلى حصر الملكية في أيدي حفنة قليلة من الأثرياء، سواء أصدرتها الدولة أو القطاع الخاص، وذلك بالقوانين وما يستتبعها من نظم ولوائح تنفيذية.

ولعل الحل البديل المقبول يكون في إنشاء أسهم مقارضة يتم تداولها في السوق المالية، واستردادها بالتدريج عن طريق تخفيض قيمة السهم في حدود القانون، وربما تم ذلك باعفاء المساهم من قسط لم يطلب بعد، أو عن طريق تخفيض عدد الأسهم بإلغاء بعضها، على أساس نسبة لكل مساهم، أو بإلغائها بعد شرائها من السوق. ويوزع على كل سهم ما يخصه من ربح، ولا شك أن الحصة الكلية لمجموع هذه الأسهم من الأرباح تنخفض بانخفاض قيمتها. ومن أفضل الطرق لمحاولة ضمان قيمتها ضمانا نسبيا غير مؤكد، ولضمان توزيع ربح عليها في كل دورة، هو إنشاء صندوق احتياطي لهذا الغرض، يغذي بتبرعات أصحاب الاستحقاق من مساهمين وغيرهم، في نهاية كل دورة مالية، وعند التصفية يصرف رصيد هذا الصندوق للجهات الخيرية.

د. رفيق يونس المصري


(١) الوسيط للسنهوري، سبق ذكره، ج٥ ص٢٨٢ و٤٢٧
(٢) الوسيط للسنهوري، ج٥ ص٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>