خامسا: تبرع طرف ثالث بضمان رأس المال أو الربح في صكوك المضاربة:
يقصد بالضمان هنا الالتزام على سبيل التطوع، وهو ما يطلق عليه المالكية الوعد الملزم، وذلك بأن تتضمن نشرة الإصدار وصكوك المضاربة موافقة طرف ثالث خارج عن أطراف عقد المضاربة على ضمان رأس المال أو نسبة معينة من الربح. وهذا الطرف الثالث قد يكون فردا أو شركة لها مصلحة في تشجيع نوع معين من النشاط، أو مؤسسة خاصة تهدف إلى تشجيع المدخرات على المساهمة في مشروع معين ضمن خطة التنمية، وتجمع لذلك بعض الأموال على سبيل التبرع لمواجهة هذا الضمان.
وليس في مقاصد الشريعة العامة وقواعدها الكلية، وأحكامها الجزئية ما يمنع من صحة تبرع شخص بمبلغ من المال، إذا كان تبرعه هذا معلقا على شرط معين، فغاية الأمر في هذه الحالة أن المتبرع يعلق التزامه على شرط هو تلف رأس المال أو بعضه، أو نقصان الربح عن حد معين، وقد قرر بعض المالكية أنه لو قال شخص لآخر: تزوج هذه المرأة وعلي صداقها، فإنه يلزمه الصداق إذا تزوجها، وأنه إذا قال لآخر: داين فلانا أو بايعه أو عامله أو خدمه عندك، أو قال لأهل السوق اجعلوا فلانا سمسارا عندكم وعلي ضمانه، أنه يلزمه مما يثبت في ذمته، نتيجة هذه المعاملة (الشرح الكبير للدردير ٣: ٣٣٣) بل سلم الحنابلة وغيرهم أنه لو قال لآخر: ألق متاعك في البحر وأنا ضامن، فإنه يلزمه الضمان (المغني لابن قدامة ٤: ٥٩٢) وكذلك ذكر بعض الحنفية أنه لو قال لغيره: اسلك هذا الطريق، فإنه آمن، فإن ضاع متاعك فأنا ضامن، إن الضمان يلزمه إذ المعنى: إن داينت فلانا أو بايعته وثبت في ذمته دين فأنا ضامن، وأن ألقيت مالك في البحر فهلك فأنا ضامن، وإن سلكت هذا الطريق فضاع المتاع فأنا ضامن، وأن ألقيت مالك في البحر فهلك فأنا ضامن، وإن سلكت هذا الطريق فضاع المتاع فأنا ضامن، وقياس ذلك في الحالة المعروضة: اشتر هذه الصكوك، أو استثمر مالك في هذا المشروع، فإن هلك رأسمالك أو نقص الربح عن حد معين، فأنا ضامن، أي ملتزم بأدائه، ولا خلاف عند المالكية في أن التعليق في المعنى في عقود التبرع لا يبطل العقد، فإذا قال شخص لآخر: وهبت لك ثمار هذا البستان العام القادم فإن الهبة تصح، وهي التزام معلق على شرط في المعنى، فكأنه قال: إن أثمر هذا البستان في العام القادم فثماره لك، لأن الجهالة والغرر الناتجين عن التعليق لا تؤثر في عقود التبرع، بل تؤثر في عقود المعاوضات؛ لأن المتبرع إليه لا يتضرر بعدم وقوع المعلق عليه، لأنه لم يغرم شيئا في مقابلة ما وعد به من عوض، في حين أن الطرف الذي علق العوض الذي يستحقه في عقود المعاوضة، يتضرر بعدم وقوع المعلق عليه؛ لأنه قد دفع عوضا مقابلا لما وعد به.