للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يجوز للمستأجر تمليك المنفعة لغيره؟

لو كانت العين المؤجرة عقارا، كأن تكون دارا أو دكانا أو ما أشبه ذلك، فإذا أراد المستأجر تأجير العقار المذكور لشخص آخر من دون الرجوع إلى رأي صاحب العقار فهل يجوز له ذلك شرعا أم لا؟

الجواب على هذا: يجوز لمالك المنفعة أن يستوفيها بنفسه أو بغيره كمستأجر أو مستعير، فإن كانت العين دارا، فله أن يسكن فيها بنفسه ومع غيره، وله أن يسكن فيها غيره بالإجارة والإعارة، وله أن يضع فيها متاعا وغيره، غير أنه لا يجعل فيها حدادا ولا قصارا ولا طحانا ولا ما يضر البناء ويوهنه، لأن ذلك قد يعرض العين للتلف وذلك لا يجوز لأن مطلق العقد ينصرف إلى المعتاد، والحانوت الذي يكون في صف البزازين لا يؤجر لعمل الحداد والقصار والطحان فلا ينصرف مطلق العقد إليه، إذ المطلق محمول على العادة فلا يدخل غيره في العقد إلا بالتسمية أو الرضا، وإنما جاز للمستأجر أن يؤجر من غيره ويعير، لأنه ملك المنفعة، فكان له أن يؤجر من غيره بعوض أو بغير عوض (١) .

وبخصوص تأجير المستأجر للعقار بأكثر مما استأجره، للفقهاء في المسألة قولان:

أحدهما: ويقضي بجواز ذلك مطلقا سواء أضاف المستأجر إلى العين المؤجرة شيئا من ماله أم لا، دليل هذا الرأي هو:

أن المنافع لها حكم الأعيان، فتصير مملوكة للمستأجر بالعقد مسلمة إليه بتسليم الدار، فكان بمنزلة من اشترى شيئا وقبضه ثم باعه وربح فيه، فالربح يطيب له لأنه ربح على ملك حلال له. هذا ما ذهب إليه الشافعية (٢) . وهو الصحيح من مذهب الحنابلة أيضا (٣) .

والرأي الثاني: وقد ذهب فيه أصحابه إلى القول: أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر العين بأكثر مما استأجرها به، وإذا فعل ذلك، تصدق بالفضل إلا أن يكون أصلح منها بناء أو زاد فيها شيئا، فحينئذ يطيب له الفضل، دليل هذا القول: أن المنافع لم تدخل في ضمان المستأجر وإن قبض العين المؤجرة، بدليل أن العين المذكورة لو انهدمت لم يلزمه الأجر، فهذا ربح حصل لا على ضمانه، ((ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن)) ، هذه وجهة نظر الحنفية (٤) ورواية للحنابلة أيضا (٥) .


(١) انظر القاعدة السابعة والثمانين من القواعد لابن رجب الحنبلي ص٢١٠ وانظر المبسوط للسرخسي ١٣٠/ ١٥. مصادر الحق للدكتور عبد الرزاق السنهوري ٧٢/ ٦
(٢) انظر الخطيب الشربيني في مغني المحتاج ٣٥٠/ ٢
(٣) انظر ابن رجب في القاعدة السابعة والثمانين ص٢١٠ فقد ذكر فيها ما يقبل النقل والمعارضة من الحقوق المالية والأملاك وقد فرع منها إجارة المستأجر فذكر بأنها جائزة على المذهب الصحيح بمثل الأجرة وأكثر وأقل.
(٤) انظر السرخسي في المبسوط ١٣٠/ ١٥
(٥) انظر القواعد ص٢١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>