للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبدو لي أن الفقهاء في الماضي والحاضر لم يجدوا حرجا في تبرير عمل المالك في اشتراطه كمية من المال على المستأجر يأخذها مسبقا زيادة عن الأجرة السنوية والشهرية التي لا تقل عادة عن أجر المثل واعتبروا أن ما يأخذه المالك مسبقا من المستأجر هو جزء من الإيجار. وربما كان لتخريجهم هذا مبررا في العصور الماضية حيث كانت الأعمال تحمل على الصلاح غالبا. أما اليوم فالحقيقة التي يعلمها العام والخاص هو أن المالك يأخذ هذا المال المسبق بعنوان بيع خلو محله خوفا من أن يتمسك به المستأجر عند انتهاء مدة الكراء. فهل يصح أن نبرر عمله هذا. كما أن المستأجر الذي اشتهر في هذا الزمان بأنه يتمسك بالمحل ولا يلتزم بالخروج عند انتهاء مدة العقد لا ينبغي أن نحكم عليه دائما مسبقا بالاحتيال والتعدي والظلم لأن الإجراءات التجارية الجديدة أصبحت في كثير من بلدان العالم الإسلامي معقدة تخضع لتراتيب كثيرة وتجبر المستأجر لأن يخضع لتنظيمات بلدية ويستجيب لشروط يفرضها ديوان التجارة أو وزارة الاقتصاد الوطني زيادة عما تفرضه عليه المنافسة التجارية من تزيين نفقات باهظة ومدة طويلة، فالحكم بإخراجه عند انتهاء مدة الكراء بدون نظر إلى ظروفه قد يوقعه في ضرر كبير. ربما يوقعه في الإفلاس. وفي الشريعة الإسلامية متسع لمد يد المساعدة إلى هذا المستأجر حتى ننقذه مما هو فيه إذا ثبت ضرره. وفي اعتقادي أنه لا بد لمجمعنا هذا من إيجاد حلول وسطي تضمن التوازن وعدم الإجحاف بالملكية العقارية التي هي حق المالك والملكية التجارية التي هي حق المستأجر حتى يتحقق التعايش والتكافل بين كل قطاعات المجتمع الإسلامي. ولا مانع من أن تقوم الدولة بإصدار قوانين جديدة تحد من جشع المالك الذي رأيناه في ميادين كثيرة وتحايل المستأجر. فالمستأجر قد يتضرر من العقد لأن التجارة تفرض عليه أشياء ما كان يتوقعها ويحتاج إلى رخص من الدولة ومن الدواوين وإجازات، ربما تنتهي مدة الإيجارة وهو لا يستطيع تحقيقها. فلا بد من إعادة النظر في مسالة بيع الخلو أو ما يسمى في العرف الحاضر بالأصل التجاري أو المحل التجاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>