هذا ما أدركه العالم الإسلامي في العقود القليلة الماضية غداة الحرب العالمية الثانية، وهذا ما رام ويروم علاجه بتوحيد الكلمة، وتضافر الجهود، عبر المؤسسات المشتركة التي توفقت الدول الإسلامية إلى إنشائها منابر قارة للتشاور والتناصح فيما بينها ومحافل قائمة لتلاقي العزائم ولانعقاد الإرادة، ولاتباع السبيل المشتركة القويمة في إنقاذ الأمة من سلبيات الحاضر ولبناء المستقبل المشترك.
٣-القاعدة الحضارية المتينة:
ونحن نعلم جميعا ما وفق الله إليه قادة الأمة الإسلامية إذ يسر لها إنشاء مؤسسة المؤتمر الإسلامي، وأمانتها العامة، ثم أعان على انبثاق العديد من الهيئات المتفرعة عنها المختصة في شتى مجالات الاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا والإعلام والاستثمار المالي والأمن. يزيد اليوم عددها على خمس عشرة هيئة موزعة مقراتها بين حواضر العالم الإسلامي.
وقد انعقدت المؤتمرات الدورية بين رؤساء الدول الإسلامية وبين وزراء الخارجية وصدرت عن هذه المؤتمرات مواثيق مباركة، لتحديد الأهداف المشتركة للعمل الإسلامي، ولاختيار السبل القويمة في طلب هذه الأهداف، انطلاقا من الثوابت الحضارية المشتركة أو كما جاء في إعلان (لاهور) لملوك ورؤساء الدول في فبراير ١٩٧٤ الذين أكدوا:
(إيمانهم بأن دينهم المشترك إنما يمثل رابطة لا انفصام لها بين شعوبهم وأن تضامن الشعوب الإسلامية لا يقوم على معاداة أية جماعة إنسانية أخرى ولا على تفرقة بسبب العنصر أو الثقافة ولكن على المبادئ الإيجابية الخالدة، مبادئ المساواة والأخوة وكرامة الإنسان ... ) .
وإن مبدأ التوحيد على أساس رابطة الدين قد تكرر التأكيد عليه في ميثاق مكة المكرمة الصادر عن قادة الدول الإسلامية عام ١٩٨١. إذ يقرون:
(إيمانا منا بأن المسلمون أمة واحدة يعتصمون برابطة الإسلام ويستلهمون في الحياة منهجا لا اختلاف فيه ويستمدون معينهم الفكري من تراث حضاري مشترك، ويضطلعون في العالم برسالة واحدة، فنحن عاقدون العزم على أن نمضي قدما لتوثيق أواصر التضامن بين شعوبنا ودولنا وعلى أن نتجاوز كل ما يؤدي إلى الشقاق أو يجر إلى الفرقة ... ) .
وهكذا يتلاقى توحيد الإيمان مع توحيد المجتمع، لا على الصعيد العقائدي فحسب بل وأيضا على صعيد المصالح المرسلة التي أفسدها القعود الفكري وأوهنتها الخلافات السياسية، وأضاعتها النزاعات الخصوصية المفرقة.