أما الحاجة العامة: فهي ما يكون الاحتياج فيها شاملا لجميع الناس. وأما الحاجة الخاصة: فهي ما يكون الاحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد أو حرفة، ومعنى كون الحاجة متعينة: أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلي الغرض، سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر.
ولو سلمنا بوجود الحاجة للتأمين في الوقت الحاضر، فإن الحاجة إليه غير متعينة، إذ يمكن تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع، وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس، والذي يسعي إلي الربح، وهو شركة الضمان، فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملا على غرر كثير من غير حاجة متعينة في الإسلام، فيمنع.
وإذا سلمنا بكون الحاجة متعينة، جاز التأمين بالقدر الذي يزيل الحاجة فقط، عملا بالقاعدة الشرعية: الحاجة تقدر بقدرها.
ومما يدل على فساد التأمين: أن الغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة وهذا متحقق في عقد التأمين التجاري.
ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضا على الجهالة، والجهالة في البدلين بارزة في التأمين، وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد (المؤمن والمستأمن) للآخر، وهو قابل للكثرة والقلة، بل أن ما يدفعه المؤمن بدلا أو عوضا عن الضرر أو الهلاك على خطر الوجود، والخطر الذي هو مسوغ العقد قد يقع وقد لا يقع، وكل هذا يجعل الجهالة فاحشة كثيرة تؤدي إلي إبطال العقد.
ويكون عقد التأمين ممنوعا شرعا لاشتماله على فاحش الغرر والجهالة، ولا يؤبه بالعلم بمبلغ كل قسط عند حلول ميعاده، فهو صحيح انه مبلغ معلوم، لكن كمية الأقساط هي التي فيها الجهالة، ورضا المؤمن بدفع التعويض عند وفاة المستأمن أو حدوث حادث له، ضمن مدة محددة بالعقد، مهما بلغ عدد الأقساط قلة وكثرة، لا قيمة له، لأنه رضا مخالف لقواعد الشرع ونصوصه المانعة من الغرر، كالرضا في القمار أو الزنا، لا يحل واحد منهما، لأن الحرام لا ينقلب مباحا باتفاق الناس عليه أو رضاهم به.
وكون الجهالة فاحشة فإنها تؤثر في العقد وتبطله، ولو لم تفض إلي المنازعة، أما الجهالة اليسيرة غير المفضية إلي النزاع عادة فهي المغتفرة، والجهالة في التأمين أفحش مما صوره الفقهاء للجهالة الفاحشة المفضية إلي النزاع وإفساد عقد البيع مثلا، كبيع الفجل والجزر في الأرض، فهذان موجودان في الأرض، لكنهما مجهولان على طريق الظهور والعلم، أما في التأمين فبدل الهلاك أو عوض التأمين مرجوح الوجود، قد يحدث وقد لا يحدث، وهذا احتمال يضعف مشروعية العقد.
لكل ما سبق وغيره من الموانع لا يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال "السوكرة" أو التأمين، لأنه مال لا يلزم من التزم به، كما ذكر ابن عابدين، ولأن اشتراط الضمان عل الأمين باطل كما قرر فقهاء الحنفية.