وأما السرية: فيرى الفقهاء (كما صرح: المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإباضية) أنه يجوز لسيدها العزل عنها دون إذنها – وقد استدل الحنابلة بحديث أبي سعيد الخدري مرفوعا ((إنا نأتي النساء، ونحب إتيانهن، فما ترى في العزل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: اصنعوا ما بدا لكم، فما قضى الله تعالى فهو كائن، وليس من كل الماء يكون الولد)) رواه أحمد.
أقوله: تأييدا لهذا الاستدلال إن هذا الحديث كان بشأن السبايا، فقد روي عن أبي سعيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة)) متفق عليه – وقد تقدم نصه وتقدم مناقشة ما يفهم من هذا النص.
وقال في الفتح "يجوز العزل عن السرية بلا خلاف عندهم، إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا، كمذهب ابن حزم، وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيه مطلقا، لأنها ليست راسخة في الفراش، وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة"(١) .
وأرى رجحان الرأي الثاني، لأنها باستيلادها، أصبحت لا تباع ولا تشترى ولا توهب، وتعتق بمجرد موت سيدها، لذلك كان القول بقياسها على الأمة المزوجة أولى من قياسها على الأمة السرية.
كما أرجح ما رآه الحنفية من أن المكاتبة حكمها حكم الحرة، في أن يؤخذ إذنها فقط عند العزل عنها.