للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ويجب أن أوضح أن الفقر في ذاته لا يصلح عذرا للمنع ولا يصلح باعثا على ذلك المنع، فإن الرزق لكل كائن مقرر ومكتوب. قال تعالى {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [الآية ٦ من سورة هود] . وقال تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} الآية ٣١ من سورة الإسراء، وتراجع الآية ١٥١ من سورة الأنعام.

وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات، بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد)) رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود.

فالرزق مكتوب عند الله تعالى ومقدر ومقرر، والعلم به كما وكيفا لا يحيط به إلا الله تعالى، ولكن الذي نعلمه ونؤمن به أن لكل إنسان – أو كل دابة – رزقا محددا وعد الله به وهو لا يخلف الميعاد.

ومن هنا كان الباعث المشروع هو الذي يدور حول تمكن الأبوين من الرعاية المطلوبة شرعا – على الوجه الذي بيناه – أو عدم تمكنهما، فإذا ترجح لديهما أنهما لن يستطيعا ذلك كان لهما الحق في منع الإنجاب خلال هذه الفترة.

قال الله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [الآية ٢٨٦ من سورة البقرة] وإذا لم يترجح كان لهما ألا يمنعا ذلك.

وما قاله الإمام الغزالي من أن الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز عن الحاجة إلى التعب في الكسب ودخول مداخل السوء، وهذا أيضا غير منهي عنه، فإن قلة الحرج معين على الدين، نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله ... "تقدم نص كلامه آنفا" نقول بشأنه ما يلي:

أ - إنه يسلم بأن النظر في ذلك فيه سقوط عن ذروة الكمال، وترك الأفضل، وإذا كان الأمر على هذا المنوال، فإن المؤمن سباق إلى الكمال، عامل دائما إلى ما هو الأفضل.

ب - قوله: "لكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره. مع كونه مناقضا للتوكل لا نقول إنه منهي عنه".

نقول له: إن الأمر مختلف، إذ النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مأمور به شرعا وليس منهيا عنه بصريح الآيات والأحاديث. قال تعالى {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [الآية ٧٧ من سورة القصص] .

<<  <  ج: ص:  >  >>