قلت: والمقصود بالكراهة في كلام الكاساني كراهية التحريم، لأن الحنفية إذا أطلقوا الكراهة انصرفت إليها بمصطلحهم.
فقد تحصل من هذا أن الأئمة الأربعة متفقون على جواز العزل عن الزوجة، إذا كان ذلك برضاها، وإلا فالأئمة الثلاثة متفقون على التحريم، وللشافعية في ذلك وجهان، رجح الإمام النووي منهما عدم التحريم.
ولعل الذي يقتضيه الدليل ويتفق مع القواعد الفقهية ما ذهب إليه الجمهور من اشتراط رضا الزوجة، أما الدليل فما رواه الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر رضي الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها. وأما القاعدة فهي قولهم (الضرر يزال) وأصلها قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) (١) بيان ذلك أن للزوجة في الولد حقًا مع الزوج، وفي توفيت هذا الحق إضرار بها.
ثم إن العزل من شأنه أن يفوت عليها لذة الجماع، فإن كان ذلك بدون رضاها فقد أضر بها.
ثم إن ثمة شرطًا آخر، هو في حكم المتفق عليه لدى الجميع، لدخوله تحت سلطان هذه القاعدة، ألا وهو أن لا يستتبع العزل أو ما يقوم مقامه ضررًا بالزوج أو الزوجة، فلو توقع الضرر من ذلك بعلم طبيب موثوق به وعادل، حرم اتخاذ تلك الوسيلة أيًا كانت.
(١) أخرجه مالك في الموطأ عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلًا، وأخرجه الحاكم في المستدرك والبيهقي والدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري، وابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت.