للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيًا: الذين وصلت إلينا أخبارهم هم العرب قبل الإسلام فكان قتل الأولاد عامة شائعا عند كثير من قبائل العرب، وكذلك وأد البنات كان موجودا عند بعض القبائل العربية. فكانوا يقتلون أولادهم من وجود الفقر كما قال تعالى في سورة الأنعام: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} (١) بل يبلغ بهم الأمر إلى قتلهم خشية الفقر كما قال تعالى في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} (٢) .

وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ قال: " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قلت: ثم أي؟ قال: " أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك".

ومن أغراضه عند بعض العرب أنهم يئدون بناتهم خشية العار فكانت الحروب تقع بينهم، وكانت القبيلة المنتصرة تستولي – فيما تستولي عليه – على نساء القبيلة المغلوبة المقهورة وهذا من أشق الأمور عليهم أن تكون نساؤهم تحت أعدائهم فكانوا لا يستحيون منهن إلا ما دعت إليه ضرورتهم.

وتعظم الغيرة عليهن ويزيد الحقد عليهن حينما يخيرن بعد السبي فيخترن من سباهن على أهلن فكره ذلك عند ولادة البنت لتخلصوا منها بأبشع صورة.

وروي أن أول قبيلة وأدت من العرب ربيعة، وذلك أنهم أغير عليهم فنهبت بنت أمير لهم فاستردها بعد الصلح، فخيرت بين أبيها وبين من هي عنده فاختارت من هي عنده وآثرته على أبيها، فغضب وسن لقومه الوأد ففعلوه غيرة منهم ومخافة أن يقع لهم مثل ما وقع، وشاع ذلك في العرب وغيرهم والله أعلم.

وما زالت هذه العادة في العرب حتى جاء الإسلام فهذبهم وعلمهم وزكاهم بمثل قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} (٣) وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (٤) .


(١) الانعام [١٥١]
(٢) الإسراء [٣١]
(٣) الإسراء [٣١]
(٤) النساء [٢٩]

<<  <  ج: ص:  >  >>