للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهداف القائلين به:

أما أهداف القرون الأولى فهي مجهولة لدينا كجهلنا بكثير من أحوالهم ولكن بصفتها أمما ذات حضارة عريقة فلا بد أن لها في سياستها مبادئ خاصة ولها نظامها الاجتماعي وسياستها الخاصة التي ترى أنها تلائم أحوالها ووضعها.

وعليه فإننا نرجح أنها أخذت بمبدأ تحديد السكان إما لمبدأ سياسي أو حصانة أمنية أو مبدأ اقتصادي لدى مفكريها.

أما الذي وصلت إلينا أخبار أهدافهم ومقاصدهم فهم عرب الجزيرة العربية إبان الجاهلية فيهم والهمجية والوحشية المتفشية فيهم، والفقر المدقع الذي يرزحون تحت وطأته مع ما هم عليه من الغيرة الشديدة على محارمهم ونسائهم اللاتي لا يهون عليهم أن يَكُنَّ عند أعدائهم.

وهذه الأهداف في العرب قبل الإسلام سجلها القرآن الكريم عليهم فذكر أن بعض العرب يقتلون أولادهم من البنين والبنات إما لوقوع الفقر فيهم كما قال تعالى " {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} (١) أو يقتلونهم خشية الفقر أن يحل بهم كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} (٢) .

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب قتل الولد خشية أن يطعم مع أبيه.

وأما قتل البنات وهو ما يسمى بالوأد وذلك بأن يدفنها وهي حية حتى تموت فهذا من أجل العار كما تقدم. فكانوا يستقلون من النساء ويتخففون منهن بقدر استطاعتهم فلا يستحيون منهن إلا ما تدعو إليه ضرورتهم.

على أن وأد البنات ليس عاما في قبائل العرب، وإنما هو موجود في بعض القبائل العربية، ومن القبائل التي لم تمارس الوأد قبيلة قريش، تلك القبيلة التي شرفها الله تعالى بمجاورة البيت الحرام كما شرفها ببعثه محمدا فيهم، فهذه القبيلة لها من الحصانة والأمان ما يستوجبا الإعظام في نفوس العرب والاحترام الاجتماعي في الجزيرة العربية، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (٣)

ولذا غلط بعض المؤرخين الذين نسبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه واد إحدى بناته في الجاهلية، فهو خطأ واضح وغلط فادح فلم تكن هذه العادة في قريش أبدا.


(١) الأنعام [١٥١]
(٢) الإسراء [٣١]
(٣) العنكبوت [٦٧]

<<  <  ج: ص:  >  >>