للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمة التناسل ومنزلة الذرية في حياة الناس:-

شاءت حكمة الباري التي لا تجارى أن يقوم تواصل الحياة في هذا الكون على نظام المباشرة والتناسل بين المخلوقات، سواء في ذلك أصناف الحيوان وأصناف النبات.

وقد شاءت حكمته تعالى أن يخضع توالد النبات إلى نظام دقيق وعجيب هو آية للمتدبرين، وأن يخضع تناسل الحيوان إلى غريزة ماضية لا تفتر ولا تني بل تضمن استمرار الأنواع بقدر وموازنة في نطاق ما رسمته الآية الكريمة في قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (١) .

وميز الإنسان من بين أصناف الحيوان بفطرة حسنة تكفل له البقاء وتوفر له المتعة والخير في الدارين، ولم يترك الإنسان كما ترك الحيوان إلى الغريزة التي تحدد تحركاته وتسير حياته، بل أعطي مع فطرة الله الحسنة التي فطر الناس عليها عقلا مفكرا ووجدانا هو عالم النفس والشعور، وفوق كل ذلك وضحت له مسالك الهداية والرشاد عن طريق ما جاءه من الدين القيم رحمة من الله وتكريما وحفظا.

وهكذا شرف الإنسان عامة بشرف خطاب الله من خلال خطابه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولأتباع محمد رضوان الله عليهم حين قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (٢) .

وبهذا الشرف فارق الإنسان أصناف الحيوان لأنه لا يتناسل بالغريزة، ولا يتناسل الذكر مع أية أنثى وجدها ولا تقبل الأنثى أو تطلب أي ذكر صادفته، وإنما التناسل لدى الإنسان أمانة يتحمل تبعتها حيًّا وميتًا وهو عمل اختياري هادف وتعامل مدني يتوقف على القدرة والتمييز والأهلية.

والتناسل عند الإنسان لا يكون إلا بالزواج وإلا عد فسوقًا وظلمًا وهبوطًا عن أدنى مستوى الإنسانية، فصار الزواج في حد ذاته غاية ووسيلة وهو غاية؛ لأنه يوفر للإنسان نعمة لا تنتجها المعامل والأيدي ولا تابع في المتاجر والأسواق وإنما هي نعمة من الله وآية من آيات خلقه، هي نعمة السكن ونعمة المودة والرحمة قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (٣) . وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (٤) .


(١) ٤٩/القمر
(٢) ٣٠/الروم
(٣) ١٢ / الروم
(٤) ١٩٨ / الأعراف

<<  <  ج: ص:  >  >>