للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١ - موقف الفقهاء المعاصرين من سياسة تحديد النسل والأصول الشرعية التي يستمد منها:

رغم أن أكثر الكتاب الذين عالجوا قضية السكان من منظور شرعي لم يقدم تعريفا محددا لما يسمى بتحديد النسل، لكن الذي يفهم من تلك الكتابات أنها تنظر إلى تحديد النسل بأنه سياسة تتبناها الحكومة يتم ضمنها منع الناس من الإنجاب أو منعهم من ذلك إلا بإذن الحكومة، أو تحديد حد أعلى لعدد الأطفال بهدف تقليل النسل (١) ، أو وقف النسل الإنساني عن النمو والزيادة بقوة القانون أو بالتأثير الإعلامي (٢) . ويدخل في ذلك إقدام الأفراد بأنفسهم على الامتناع عن الإنجاب لأسباب اقتصادية كالخوف من الفقر ... إلخ.

والاتجاه العام لدى من تناولوا هذا الموضوع أنه لا يجوز تبني مثل تلك السياسة، واعتمدوا في ذلك على أدلة متعددة، منها عام يتعلق بالمقاصد الكلية للشريعة، ومنها خاص. وسوف نحاول أدناه معرفة ما إذا كان يستفاد من هذه الأدلة حكم شرعي على سبيل القطع في مسألة السكان.

أولًا: أدلة عامة:

استدل بعض من قال بعدم جواز تبني تلك السياسة بأدلة كلية وبديهيات معروفة وذلك لاستنتاج تناقض تلك السياسة مع المبادئ العامة للدين الإسلامي، من ذلك أن الإسلام دين الفطرة ولذلك فكل قوانينه موافقة للفطرة الإنسانية والتوالد والتناسل من مقتضيات الفطرة الإنسانية (٣) . وأن قوانين الإسلام للحياة الاجتماعية والاقتصادية مع تعاليمه الخلقية وتربيته الروحانية قد محت كل سبب أو داعية من تلك الأسباب والدواعي التي لأجلها نشأت حركة تحديد النسل (٤) . ومنها أن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية إيجاد النسل وبقاء النوع الإنساني وحفظه. وقد روي عن الإمام أحمد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل (٥) ، وأن (هذه هي النظرة العامة للشريعة بالنسبة للنسل وهي تدعو إلى الإكثار فالأحاديث النبوية تحث عليه والقرآن دستور الأمة يشير إليه وهو الفطرة وتحديده يناقضها) (٦) . وأن الإسلام رغب في زيادة النسل وتكثير؛ لأن كثرة النسل تقوي الأمة الإسلامية اجتماعيا واقتصاديا وحربيا وتزيده عزة ومنعة (٧) .


(١) انظر الخطيب، أم كلثوم يحيى مصطفى، قضية تحديد النسل في الشريعة الإسلامية، جدة، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ١٤٠٤هـ ص ٥٣
(٢) المودودي، مرجع سابق ص ٣. وكذلك الطريقي، عبد الله بن عبد المحسن: تنظيم النسل وموقف الشريعة الإسلامية منه، الرياض، بدون ناشر، ١٩٨٣ ص ٢٨٨
(٣) المودودي مرجع سابق ص ٦٧
(٤) المودودي مرجع سابق ص ٦٩
(٥) علي، موسى محمد، مرجع سابق ص ٦٦، وهو ينقل هنا عن الشيخ حسن مأمون
(٦) أبو زهرة، محمد مرجع سابق ص ٩٦
(٧) فتوى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في مايو ١٩٦٥ عن مجلة منبر الإسلام عدد شعبان ١٣٩٨ هـ يوليو ١٩٧٨ م

<<  <  ج: ص:  >  >>