للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شبهات حول تحديد النسل

وقبل أن ننهي الحديث عن تحديد النسل الجماعي لابد أن نتكلم عن شبهات ذائعة بين المسلمين وبعض العلماء الساهرين على شؤون الدعوة الإسلامية حول تنظيم الأسرة.

فهناك شبهة تقول: إن الدعاية لتحديد النسل غزو يهودي صهيوني يقصد منه تقليل أفراد الأمة الإسلامية لتبقى ضعيفة لا تستطيع الجهاد والإنتاج وحينئذ تكون عالة على غيرها فيتحكم فيها كما يحلو له ويشهد بهذا ترويج وسائل منع الحمل بين أوساط المسلمين بأرخص الأسعار وقد يباع بعضها بأقل من سعر التكلفة ولا يوجد نظير هذه الحركة بين اليهود أنفسهم.

وهناك من يقول إنها دعاية أمريكية وإنجليزية وغربية سرت إلينا وتبعها بعض المخلصين غافلين عن جذورها ومواردها وما يغذيها واتبعها بعض آخر ممن هو معجب بالأفكار الغربية وهؤلاء يتبعون كل ناعق ويسيرون وراءه من غير أن يعرفوا: أَيُسَارُ بهم في طريق يوصل إلى الخير أم يسار بهم في طريق مملوء بالأفاعي والحيات؟

وهناك من يقول: إن الدعوة إلى تنظيم النسل دعوة مرحلية وإننا إذا ذهبنا مع هذه الدعوة وفتحنا صدورنا لتقبلها بشروط وحدود معينة تقبلها الشريعة الإسلامية فإنها ستتحول في المستقبل لا محالة إلى تحديد النسل بصفة إجبارية موحدة وبطريقة لا تقبلها الشريعة الإسلامية بحال.

وأمام هذه الشبهات وقف الشيخ أبو زهرة موقفا واضحا في المنع فقال (١) : (هل هنا علاقة بين هذه الدعوة إلى تحديد النسل أو تنظيمه وبين إسرائيل ومن استتر خلفها) ثم قال: (إنه لا يجوز منع النسل بالكل ولا يباح كأمر عام؛ لأنه يعارض قوله تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ} أو {نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} لذلك نعارض باسم الدين ولا نريد أن نقطع نسلنا ونقلل جمعنا ونعصي رسولنا ونكفر بقدرة ربنا الذي يرزق من يشاء بغير حساب وهو نفس الموقف الذي وقفه المجمع الفقهي الإسلامي بمكة (٢) . في قراره في تحديد النسل حيث نص على: (أن تحديد النسل مصادم للفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها وللشريعة الإسلامية التي ارتضاها الله لعباده، ونظر إلى أن دعاة القول بتحديد النسل أو منع الحمل فئة تهدف بدعوتها إلى الكيد للمسلمين لتقليل عددهم بصفة عامة وللأمة العربية المسلمة والشعوب المستضعفة بصفة خاصة حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعباد أهلها والتمتع بثروات البلاد الإسلامية.

لذلك كله فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي يقرر بالإجماع أنه لا يجوز تحديد النسل مطلقا ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق) .


(١) مقال لأبي زهرة في تنظيم الأسرة وتنظيم النسل نشر في مجلة الأزهر سنة ١٩٦٦
(٢) قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثالثة سنة ١٤٠٠

<<  <  ج: ص:  >  >>