للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال بجوازه جماعة من الصحابة والتابعين والفقهاء لما ورد في الحديث الذي أخرجه مسلم عن جابر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل قال: " اعزل عنها إن شئت. فإنها سيأتيها ما قدر لها ". فلبث الرجل ما شاء الله ثم أتى رسول الله بعد ذلك فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: " قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدرلها ")) .

وفي حديث آخر متفق على صحته (١) عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز أنه قال: دخلت المسجد فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل، قال أبو سعيد: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيا من سبي العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل فأردنا أن نعزل فقلنا: نعزل ورسول الله بين أظهرنا قبل أن نسأله، فسألناه عن ذلك فقال: ((ما عليكم أن لا تفعلوا، ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)) .

قال جابر (كنا نعزل والقرآن ينزل) (٢) ، ورخص فيه زيد بن ثابت وروي عن أبي أيوب، وسعد بن أبي وقاص وابن عباس، أنهم كانوا يعزلون.

يمكننا مما سبق أن نصل إلى ما يأتي:

أولًا: لا يجوز لأمة مسلمة أن تتخذ تحديد النسل سياسة عامة للدولة خوفا من العيلة والفقر أو ما شابه ذلك لقوله تعالى المذكور في بداية البحث وقوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (٣) وليس بعد هذا الضمان الرباني ضمان لمن آمن بالله واليوم الآخر ولينظر كيف أن الله تعالى قد ألزم نفسه برزق عباده، مسلمهم وكافرهم، غنيهم وفقيرهم، صغيرهم وكبيرهم ومن فهم حقيقة الغنى والفقر، وأن الغني قد يصبح فقيرا معدما، والفقير المعدم قد يمسي غنيا موفور الغنى، ومن يعلم لعل ابن الفقير قد يكون من أغنى الناس في مستقبله أو قد يكون من العلماء الصالحين أو المسلمين الأخيار كما دل على ذلك حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((استكثروا من أولادكم فإنكم لا تدرون بمن ترزقون)) .


(١) انظر شرح السنة للبغوي ج ٩ ص ١٠٣ الطبعة الثانية، مطبعة المكتب الإسلامي، بيروت
(٢) أخرجه البخاري ٩/٢٦٦ في النكاح: باب العزل ومسلم (١٤٤٠) في النكاح: باب حكم العزل
(٣) سورة الذاريات الآية ٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>