للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وانطلاقا من هذه المعطيات المفزعة الخاطئة، قام المؤيدون لهذه الفكرة والباحثون حول هذا الموضوع بإطلاق صفارة الإنذار على جميع سكان الأرض، فأقاموا الدول وأقعدوها، ثم فكروا بأنفسهم في كيفية تفادي هذه الكارثة على حد زعمهم، فاقترحوا فكرة تحديد النسل، فقامت بعض الدول، بإباحة الإجهاض والعمليات الجراحية داخل الرحم لمنع الإنجاب، واستعمال حبوب منع الحمل، كما قامت دول بتعقيم الرجال والنساء معا، ولجأت أخرى إلى العزل وكبت النفس بالعزوبه والابتعاد عن الاتصال الجنسي وغيرها من العمليات المحددة أو المنظمة للنسل.

- بطلان دعوى مؤيدي حركة تحديد النسل:

إن الحجج التي يحتج بها مؤيدو تحديد النسل، ما هي إلا انتقاد لذات الخالق سبحانه وتعالى، واعتراض على حكمته البالغة، ونظامه المحكم في السماوات والأرض، يظنون بالله أنه لا يعلم كثيرا مما يعلمونه أو يتوصلون إليه بقواعدهم الحسابية {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ} .

لا يعرف هؤلاء أن الله - عز وجل - ما خلق شيئا في السماوات والأرض إلا على كمية محدودة {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (١) . وأنه لا يصدر شيئا من خزائنه إلا بقدر معلوم {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ} (٢) ، فمهما يكن من ظن هؤلاء القوم بالله وبأنفسهم فإن من الحقيقة التي لا تقبل الجدل أن الذي خلق هذا العالم وأبدع نظامه المحكم ليس بجاهل عنه {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} (٣) وأنه لو نظروا في آياته، وأسرار حكمته في الآفاق وفي أنفسهم بعين البصيرة والعقل، لتبين لهم أنه الأكمل في تقديراته وحسابه، فقد خلق على هذه المساحة من سطح أرضه أنواعا لا عداد لها من خلائقه، وأودع كل واحد منها قدرة عاتية على التوالد، والتناسل، بحيث لو أرخى العنان في وجه نسل زوجين منه فقط لينمو على هواه لاكتظ به وحده وجه الأرض، من أقصاه إلى أقصاه. إن الماء الذي يفرزه كل رجل في كل اتصال من اتصالاته الجنسية، يمكن أن تحمل به ما بين ٣٠٠ و ٤٠٠ مليون امرأة في آن واحد، فلو أن القدرة التناسلية لرجل واحد فقط وجدت في وجهها مجالا كاملا للاتساع والنمو، لاكتظت الأرض اكتظاظا كليا بأفراد نسله وحده في سنوان قلائل، ولكن من الذي أقام الحاجز أمام هذه القوة التناسلية العاتية منذ مئات الآلاف من السنين، بحيث لم يدع نوعا من أنواع الخلائق يتعدى الحدود المعينة لزيادة نسله وتكاثر أفراده.


(١) سورة القمر الآية ٤٩
(٢) سورة الحجر الآية ٢١
(٣) سورة المؤمنون الآية ١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>