للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسقاط الحمل

وإذا كان الإسلام قد أباح للمسلم أن يمنع الحمل لضرورات تقتضي ذلك فلم يبح له أن يجني على هذا الحمل بعد أن يوجد فعلًا.

واتفق الفقهاء على أن إسقاطه بعد نفخ الروح فيه حرام وجريمة، لا يحل للمسلم أن يفعله؛ لأنه جناية على حي متكامل الخلق، ظاهر الحياة، قالوا: ولذلك وجبت في إسقاطه الدية إن نزل حيًّا ثم مات، وعقوبة مالية أقل منها إن نزل ميتا، ولكنهم قالوا: إذا ثبت من طريق موثوق به أن بقاءه بعد تحقق حياته هكذا يؤدي لا محالة إلى موت الأم فإن الشريعة بقواعدها العامة تأمر بإرتكاب أخف الضررين، فإذا كان في بقائه موت الأم وكان لا منقذ لها سوى إسقاطه، كان إسقاطه في تلك الحالة متعينًا، ولا يضحى بها في سبيل إنقاذه؛ لأنها أصله، وقد استقرت حياتها، ولها حظ مستقل في الحياة، ولها حقوق وعليها حقوق، فهي بعد هذا وذاك عماد الأسرة، وليس من المعقول أن نضحي بها في سبيل الحياة لجنين لم تستقل حياته، ولم يحصل على شيء من الحقوق والواجبات (١) .

وقال الإمام الغزالي يفرق بين منع الحمل وإسقاطه: (وليس هذا - أي منع الحمل - كالإجهاض والوأد؛ لأن ذلك جناية على موجود حاصل، والوجود له مراتب، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة، وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية، فإن صارت نطفة فعلقة، كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشًا، ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حيًّا (٢) .

تقليل النسل في العصر الجاهلي منها: وأد البنات، قال تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} التكوير: [٨، ٩] ، وقيل في التسهيل: الموءودة هي البنت التي كان بعض العرب يدفنها حية من كراهته لها أو غيرته عليها. فتسأل يوم القيامة {بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} ؟ على وجه التوبيخ لقاتلها. فلهذا يقول عز وجل: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} النحل [٥٨] .


(١) الفتاوى للشيخ محمود شلتوت
(٢) إحياء علوم الدين للإمام الغزالي كتاب النكاح: ٤٧

<<  <  ج: ص:  >  >>