للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تلكم أحد أدلة من ذهب إلي أن عقود التأمين محرمة في الشريعة الإسلامية وأنها تتنافي في نظرهم مع مقاصدها العامة وقواعدها الأساسية.

(ب) أدلة المبيحين لعقود التأمين:

الأدلة التي أوردها كل من هؤلاء العلماء المبيحين للتأمين مطلقا متداخلة متشابهة، وسأقتصر في تبيان هذه الأدلة على ما ذكره الأستاذ الزرقاء باعتبارها الأكثر شمولا والأقوى حجة ودلالة من حجج ودلالة الآخرين الذاهبين معه إلي الجواز، وذلك ملخص من كتابه (عقد التأمين) .

المستندات القياسية التي استند إليها الأستاذ حفظه الله في جواز عقد التأمين،

١- عقد الموالاة

ويتلخص هذا العقد في أن يقول شخص مجهول النسب للعربي "أنت وليي تعقل (١) عنى إذا جنيت، وترثني إذا مت" وهذا العقد اخذ به كبار فقهاء الصحابة كعمر وابن مسعود وأخذ به من فقهاء الأمصار الإمام أبو حنيفة وأصحابه.

فعقد المولاة هذا صورة حية من صور عقد التأمين حيث الولي يتحمل مسؤولية مجهول النسب من لا عاقلة له. في كل ما يصدر منه من أضرار، فوجه المشابهة بين عقد الموالاة وعقد التأمين هو تحمل المسؤولية من غير تبعة لا غير.

٢- ضمان خطر الطريق عند الحنفية

وخلاصته: انه إذا قال شخص لآخر (اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن أصابك شيء فأنا ضامن) فسلكه فأصابه شيء فعوضه ما خسره لأنه ضامن فهو نص استثنائي قوى في جواز التأمين على الأموال من الأخطار.

٣- قاعدة الالتزامات والوعد الملزم عند المالكية

وخلاصته: (أنه إذا وعد شخص غيره عدة بقرض أو بتحمل وضيعة (خسارة) أو إعارة أو نحو ذلك مما ليس بواجب عليه في الأصل، فهل يصبح بالوعد ملزما؟ ويقضي عليه بموجبه إن لم يف به أو لا يكون ملزما به) .

اختلف المالكية في ذلك على أربعة آراء: من جملتها (يقضي بالعدة "أي الموعد" مطلقا، أي أنها ملزمة له.

فإذا أخذنا بالمذهب الأوسع في هذه القضية فإننا نجد في قاعدة الالتزامات هذه متسعا لتخريج عقد التأمين على أساس انه التزام من المؤمن للمستأمنين. ولو بلا مقابل على سبيل الوعد بأن يتحمل عنهم أضرار الحادث الخطر الذي يتعرض له احدهم؛ أي أن يعوض عنه الخسائر.

٤- نظام العواقل في الإسلام

ويتلخص في انه إذا جنى أحد جناية قتل غير عمد بحيث يكون موجبها الأصلي الدية لا القصاص، فإن دية النفس توزع على أفراد عاقلة الذين يحصل بينه وبينهم التناصر عادة، وهم الرجال البالغون من أهله وعشيرته، وكل من يتناصر بهم ويعد هو واحدا منهم، كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام لما فيها من معنى التعاون على البر والتقوى.

فما المانع من أن يفتح باب لتنظيم هذا التعاون على ترميم الكوارث المالية بجعله مكونا بطريقة التعاقد والإرادة الحرة كما جعله الشرع إلزاميا دون تعاقد في نظام العواقل.


(١) العقل؛ هو دفع التعويض المالي في جناية القتل الخطأ، وهو ما يسمى بدية القتل الخطأ

<<  <  ج: ص:  >  >>