ولكن الثورة الصناعية واستفحال الفقر عند بعض الطبقات دعا الباحثين في العالم الغربي أو الصناعي عامة إلى دراسة مشكلات الفقر وإلى دراسة الأحوال الاقتصادية للأسر الفقيرة بوجه خاص، وفي القرن العشرين ظهرت مشكلات أخرى بالإضافة إلى مشكلة الفقر والعمل، كالطلاق والافتراق بين الزوجين وكثرة عدد الأولاد غير الشرعيين وحوادث الإجرام وغيرها. وهذا معناه قصر الاهتمام في البحث عن الأسرة منفصلة عن المجتمع، ونشأ عن ذلك أن تعمق الباحثون في وضع الأسرة بالنسبة إلى الأفراد وحالاتهم الصحية والنفسانية وأسباب النزاع بين الأفراد وإرجاعه إلى عوامل نفسيه.
وبعد الحرب العالمية الثانية قوي هذا الاتجاه في البحث هذا الذي عولجت فيه الأسرة بمعزل عن بقية المجتمع، بل إنه لم تجر إلا محاولات قليلة للربط بين الطرفين، مما أدى في النهاية إلى التركيز على الأحوال والظروف التي تؤدي إلى انهيار الأسرة وعلى معالجة مشكلاتها كالطلاق والإجهاض والتعقيم ومنع الحمل، وبالتالي إلى الاهتمام بتنظيم الأسرة بوجه عام.
وقد ظهرت في المدة الأخيرة أبحاث مهمة تتعلق بهذه المشكلات مما اضطر الكثير من الدول وخاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية إلى وضع تشريعات لمعالجتها، حتى إن الكنيسة الكاثوليكية لم تجد بدا من الدخول في ميدان الجدل العالمي لتدلي برأيها في وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة.
أما في البلاد الإسلامية فإن تنظيم الأسرة كحل لمشكلات الأسرة لم يحظ بمثل هذا الاهتمام رغم أن الوسائل لمنع الحمل وخاصة العزل كانت معروفة (وممارسة) منذ فجر الإسلام. غير أن ازدياد السكان في بعض البلاد الإسلامية زيادة كبيرة حدا بالمسؤولين إلى التفكير جديًّا بهذه القضية.
ومؤتمر الرباط الذي عقد في سنة ١٩٧١ كان أول استجابة عامة من المسلمين للتحديات الناجمة عن مشكلات الأسرة والسكان وذلك في ضوء التعاليم الإسلامية واجتهادات علماء المسلمين. وكان من إنجازات هذا المؤتمر الكشف بصورة واضحة عن موقف الإسلام من الأسرة، وعن العلاقات بين أفرادها وتفاعلها مع المجتمع.
ومما هو جدير بالذكر أن مؤتمر الرباط لم يقتصر في بحث الأسرة على النظر في القضايا الفردية، كما كان الحال في العالم الأوروبي، بل تعرض للأسرة من حيث ظروفها الصحية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية وعلاقة ذلك كله بالمجتمع كما سيظهر جليًّا في الملخص التالي.