للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتوى الشيخ يوسف بن علي الزواوي (١)

مفتي ترنغانو، ماليزيا

أحكام تحديد النسل

بسم الله الرحمن الرحيم

إن تأليف الجماعات والجمعيات في سبيل تنظيم الأسرة عمل تفرضه شرائع الدين الإسلامي على المسلمين. لقد فكر المسلمون مليًّا في الماضي والحاضر بهذا الموضوع. وكانت كتب الحديث والاجتهادات في جميع المذاهب موضع جدل دون الوصول إلى نتيجة حاسمة. وفي زمان الصحابة كان فعل منع الحمل يسمى بالعزل " الذي يعني منع منيِّ الذكر من دخول رحم الأنثى. وقد سئل النبي عن رأيه في طبيعة هذا العمل فكان جوابه: "ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة" قالها ثلاثا. ويفهم من هذا القول أن النبي لم يحرم ممارسة منع الحمل، غير أنه نصح الصحابة بأن لا ينغمسوا فيه كعادة.

لقد تساءل الفقهاء المسلمون في تأملاتهم حول وضع الأولاد إذا كان الولد ملكًا لوالديه حقا أو لواحد منهما فقط، أو في ما إذا كان حقا ملكا للوالدين وللمجتمع عموما. وتختلف الآرء بالنسبة للأزمنة والأوضاع. والإسلام دين يحث معتنقيه نحو الوحدة، سواء كان ذلك في المعتقد أو الاقتصاد أو الصحة. ولا تخالف تعاليم الإسلام علم الطب على الإطلاق في ما يختص بالقوانين الصحية.

على هذا يجمع الفقهاء المسلمون عمومًا.

والقرآن الكريم نفسه، كثيرًا ما يحدد أمورًا تتعلق بالصحة والسلامة الجسدية، كما يقول تعالى، {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} (٢) الذي تعني أن الوالدات اللواتي يرغبن في إرضاع أطفالهن من الثدي يفعلن ذلك عادة لمدة تقارب السنتين. ويحث القرآن الأمهات على إرضاع أطفالهن من الثدي؛ لأن حليب الأم كما أثبت علم الطب، يحتوي على جميع العناصر الغذائية اللازمة لتغذية طفلها وإعطائه القوة. وتقع على الآباء مسؤولية ما هو على قدر استطاعته. فلا تضرن أم بولدها أو أب بولده. يجب أن يفهم من هذا الحكم أن على الأم المرضع أن تأخذ الاحتياط كي لا تحمل من جديد؛ لأن ذلك يضر بالرضيع. ونرى من هذا الحكم كذلك أن القرآن يشجع دون ريب على ممارسة تنظيم الأسرة.


(١) الشيخ يوسف بن الزواوي، أحكام تحديد النسل، مطبوع على الآلة الكاتبة (بدون تاريخ)
(٢) سورة البقرة: ٢٣٣

<<  <  ج: ص:  >  >>