ويظهر أن مبدأ عملية التأمين هو الخوف من الحوادث والكوارث الشديدة التى تفاجئهم فتجحف بذهاب أنفسهم وأموالهم، فأراد بعض التجار بهذا التأمين التحفظ على ضمان أموالهم كما أراد الآخرون التأمين على بدل حياتهم، وهذا كله لم يكن معروفًا في بلدان المسلمين قبل هذه السنين.
ثم أخذ علماء هذا العصر يتكلمون في موضوعها، حيث دعت الحاجة والضرورة إلى البحث فيها، لأن "لكل حادث حديث ولكل مقام مقال".
فمنهم من قال بتحريم عقد التأمين بكل أنواعه، ومنهم من أباحه بكل أنواعه، ومنهم من توسط فيه فقال بإباحة شيء ومنع شيء منه، ولسنا من المجازفين القائلين بإباحته بكل أنواعه ولا من الجافين القائلين بتحريمه بكل أنواعه.
وإنما موقفنا منه موقف التفصيل لأحكامه، ثم التمييز بين حلاله وحرامه. والذى ترجح عندنا هو أن التأمين على حوادث السيارات والطائرات والسفن والمصانع والمتاجر أنه مباح لا محظور فيه، إذ هو من باب ضمان المجهول وما لا يجب وقد نص الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة على جوازه.
وهذا نوع منه يقاس عليه لإلحاق النظير بنظيره، كما سيأتى بيانه.
أما التأمين على الحياة، فإنه غير صحيح ولا مباح لأننا لم نجد له محملًا من الصحة لأن وسائل البطلان محيطة به من جميع جهاته، فهو نوع من القمار ويدخل في بيع الغرر كبيع الآبق الذي لا يدرى أيقدر على تحصيله أم لا، ويدخل في مسمى الربا الذي هو شراء دراهم بدراهم مؤجلة، ويدخل في بيع الدين بالدين، حيث إن المؤمن يدفع قيمة التأمين مقسطة في سبيل الحصول على دراهم أكثر منها مؤجلة، أضف إلى أنها لا تقتضيه الضرورة ولا توجيه المصلحة، كما سيأتى بيانه قريبًا إن شاء الله.