ثم أن هذه المشتبهات تقع في العقود والشروط والمبايعات والأنكحة والأطعمة والرضاع، وقد ترجم لها البخاري في صحيحه، فقال:"باب تفسير المشتبهات"، ثم ساق بسنده عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء فقالت: إنى قد أرضعتكما، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: كيف وقد قيل، ففارقها عقبة ونكحت زوجًا غيره. ثم ذكر حديث عبد الله بن زمعة مع عتبة بن أبي وقاص، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((الولد لك يا عبد الله بن زمعة واحتجبى منه يا سودة)) . فأمر سودة أن تحتجب عنه مع أنه محكوم بكونه أخاها، لكن لمّا رأى قرب شبهة بعتبة بن أبي وقاص أمرها أن تحتجب عنه وهو من باب اتقاء الشبهات.
فمن هذه المشتبهات ما يقع مشكلًا مشتبهًا في وقت إلى أن يتصدى له من يخرجه من حيز الاشتباه والغموض إلى حيز التجلى والظهور حتى يصير واضحًا جليًا لا مجال فيه للاشتباه.
فمن هذا النوع قضية التأمين على السيارات، فهى وإن أشكل على الكثير من الناس حكمها من أجل تجدد حدوثها وغموض أمرها وعدم سبق الحكم من الفقهاء فيها باسمها، فإن لها في الفقه الإسلامى أشباها ونظائر ينبغى أن ترد إليها ويؤخذ قياسها منها، كما يرد الفرع إلى أصله والنظير إلى نظيره.
وهذا يعد من القياس الصحيح الذي نزل به الكتاب والسنة وعمل به الصحابة –رضى الله عنهم- فإنهم كانوا يمثلون الوقائع بنظائرها ويشبونها بأمثالها، ويردون بعضها إلى بعض في أحكامها ففتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا لهم طريقة وبينوا لهم سنة تحقيقه وتطبيقه. كما سيأتى بيانه.