للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن الإمام أحمد أكثر تصحيحًا للعقود والشروط من سائر الأئمة، ونصوص مذهبه تساير التطور في العقود المستحدثة.

وإنما وقع اللبس فيها على من قال بتحريمها من علماء هذا العصر، كابن عابدين وغيره من جهة أنهم اعتقدوها قمارًا أو جهالة أو غررًا، أو التزام ما لا يلزم أو كونها على عمل مجهول قد يفضى إلى غرامات باهظة.

ويتمسكون بما بلغهم من العمومات اللفظية والقياسات الفقهية التى اعتقدوا شمولها لمثل هذا العقد يظنونها عامة أو مطلقة وهى لا تنطبق في الدلالة والمعنى على ما ذكروا.

أو يعللون بطلان مثل هذا بكونه لم يرد به أثر ولا قياس.

والله سبحانه قد أمر عباده بالوفاء بالعقود في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهو شامل لكل عقد يتعاقده الناس فما بينهم ويلتزمون الوفاء به، ولم يكن قمارًا ولا ربا ولا خديعة.

إذ الأصل في العقود الصحة والإباحة إلا ما قام الدليل على تحريمه، لكون العقود والشروط والمشاركات من باب الأفعال العادية التى يفعلها المسلم مع الكافر وليست من العبادات الشرعية التى تفتقر إلى دليل التشريع.

فمن أعطى الشركة مالًا على حساب التزام ضمان سيارته بطيب نفس منه والتزمت الشركة لوازمه، فإن مقتضى الشرع يحكم بصحة هذا الضمان، أخذًا من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . ومن قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ، وفى الحديث ((لا يحل مال أمرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)) . وهذا العوض قد خرج عن طيب نفس من مالك السيارة ومن الشركة، فثبت بذلك إباحته وقواعد الشرع لا تمنعه لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه وربما يجبرون بطريق النظام عليه، إذ لولا حاجتهم إليه لما فعلوه. لأن المال عزيز على النفوس لا تسخو ببذله إلا في سبيل منفعتها، وفى هذا المقام هو في حاجة إلى تأمين سيارته لحصول الاطمئنان والأمان عما عسى أن ينجم عنها من حوادث الزمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>