للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الأمر الثاني، وهو أن إخلاف الوعد لا حرج فيه مطلقا، فهو غير مسلم؛ لأن الحديث جاء في علاقة الرجل بامرأته، ومن حرص الشارع على دوام المودة بين الزوجين أن رخص لهما ما لم يرخص لغيرهما، فأجاز شيئا من الكذب كما أجاز في الحرب والإصلاح بين الناس، وقد روى ذلك الإمام مسلم في صحيحه عن أم كلثوم بنت عقبة: ((أنها لم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في شيء مما يقول الناس: كذب، إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها)) (١)

قال النووي في شرح الحديث:

قال القاضي: لا خلاف في جواز الكذب في هذا الصور.

واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها: ما هو؟

فقالت طائفة: هو على إطلاقه، وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة.

وقال آخرون: ما جاء من الإباحة في هذا، المراد به: التورية واستعمال المعاريض، لا صريح الكذب، مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا، وينوي: إن قدر الله ذلك، وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه (٢) اهـ.

وبهذا نتبين أن العلاقة بين الزوجين هنا موسع فيها، ولا يقول القرافي وغيره هنا بأن الترخيص في بعض الكذب هنا يعني أن الكذب لا حرج فيه بإطلاق.

وثاني ما استدل به القرافي هنا هو حديث أبي داود ((إذا وعد أحدكم أخاه، ومن نيته أن يفي فلم يف، فلا شيء عليه)) (٣) .


(١) انظر: صحيح مسلم – كتاب البر والصلة: باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه، حديث ٢٦٠٥
(٢) شرح النووي على مسلم جـ٥، ٤٦٤، ٤٦٥، ط. الشعب
(٣) الفروق ج ٤ ص ٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>