وصهر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أثنى عليه بوفائه له بالوعد هو أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أسره المسلمون يوم بدر كافرا، وقد وعده برد ابنته زينب إليه وردها إليه، خلافا لمن زعم أن الصهر المذكور أبو بكر رضي الله عنه، وقد ذكر البخاري في الباب أربعة أحاديث في كل واحد منها دليل على الوفاء بإنجاز الوعد.
الأول – حديث أبي سفيان بن حرب في قصة هرقل وهو طرف من حديث صحيح مشهور، ووجه الدلالة منه في قوله:" فزعمت أنه أمركم بالصلاة والصدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة" فإن جميع المذكورات في هذا الحديث مع الوفاء بالعهد كلها واجبة، وهي الصلاة والصدق والعفاف وأداء الأمانة، وقد ذكر بعد ذلك أن هذه الأمور صفة نبي والاقتداء بالأنبياء واجب.
الثاني- حديث أبي هريرة في آية المنافق. ومحل الدليل منه قوله ((وإذا وعد أخلف)) فكون إخلاف الوعد من علامات المنافق يدل على أن المسلم لا يجوز له أن يتسم بسمات المنافقين.
الثالث – حديث جابر في قصته مع أبي بكر، ووجه الدلالة منه أن أبا بكر قال: من كان له على النبي صلى الله عليه وسلم دين أو كانت له قبله عدة.. الحديث.
فجعل العدة كالدين، وأنجز لجابر ما وعده به النبي صلى الله عليه وسلم من المال. فدل ذلك على الوجوب.
الرابع – حديث ابن عباس في أي الأجلين قضى موسى، ووجه الدلالة منه أنه قضى أطيبهما وأكثرهما، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال فعل، فعلى المؤمنين الاقتداء بالرسل، وأن يفعلوا إذا قالوا، وفي الاستدلال بهذه الأحاديث مناقشات من المخالفين. ومن أقوى الأدلة في الوفاء بالعهد قوله تعالى:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(١) ؛ لأن المقت الكبير من الله على عدم الوفاء بالقول يدل على التحريم الشديد في عدم الوفاء به، وقال ابن حجر في " الفتح" في الكلام على ترجمة الباب المذكور وقال المهلب: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع وليس بفرض؛ لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به من الغرماء اهـ.
ونقل الإجماع في ذلك مردود؛ فإن الخلاف مشهور لكن القائل به قليل، وقال ابن عبد البر وابن العربي أجل من قال به عمر بن العزيز: انتهى محل الغرض من كلام الحافظ في الفتح. وقال أيضا: وخرج بعضهم الخلاف في هذه المسألة على الخلاف في الهبة، هل تملك بالقبض أو قبله؟
فإذا علمت أقوال أهل العلم في هذه المسألة، وما استدل به كل فريق منهم- فاعلم أن الذي يظهر لي في هذه المسألة - والله تعالى أعلم - أن إخلاف الوعد لا يجوز؛ لكونه من علامات المنافقين، ولأن الله يقول:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: آية (٣) ] ، وظاهر عمومه يشمل إخلاف الوعد ولكن الواعد إذا امتنع من إنجاز الوعد لا يحكم عليه به ولا يلزم به جبرًا بل يؤمر به ولا يجبر عليه؛ لأن أكثر علماء الأمة على أنه لا يجبر على الوفاء به؛ لأنه وعد بمعروف محض، والعلم عند الله تعالى.