للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه تشبه قضية ضمان التأمين على السيارات، حيث تلتزم الشركة ضمان الديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات، كأضرار السيارات ونحوها من كل ما هو واجب بالضمان أو يؤول إلى الوجوب ولا يشترط معرفة المضمون عنه ولا المضمون به.

ولا يقدح في صحة هذا الضمان كون المؤمن على سيارته يدفع شيئًا من المال، فإن هذا لا يقدح في صحته الضمان والحالة هذه، إذ ليس عندنا ما يمنعه.

ولا يقدح في صحة هذا الضمان تبرع الشركة بدفع الديّات وقيم الأضرار والمتلفات بدون رجوع فيه إلى أحد، فإن هذا كله جائز على قواعد المذهب، إذ من المعلوم شرعًا وعرفًا أن الجناية تتعلق بالجانى المباشر لها في خاصة العمد وعلى العاقلة في قتل الخطأ فيما زاد على الثلث من الديّة، غير أن التزام الشركة بضمان هذه الجنايات وإن عظم أمرها وعدم الرجوع منها على أحد في غرمها أنه صحيح جائز، وهو مما يجعل الجانى الذي لم يتعمد وكذا عاقلته في راحة عن المطالبة والغرامة وهو خير من كونهم يتكففون الناس في سؤال هذه الغرامة أعطوهم أو منعوهم.

وغاية ما يدركون عليها هو الجهالة عن قدر الغرامة، وهى مغتفرة فيها كسائر أمثالها من الضمانات والشركات التى لا تخلو من الجهالة كشركة الأبدان والوجوه والمفاوضة، فإن فيها كلها شيئًا من الجهالة. وقد تكلم بعض الفقهاء المتقدمين بعدم جوازها من أجله ثم استقر الأمر على أن مثل هذه الحالة مغتفرة.

قال في الإقناع: "ويصح ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق، وهو أن يضمن ما يجب على التاجر للناس من الديون وهو جائز عند أكثر أهل العلم كمالك وأبى حنيفة وأحمد " انتهى.

وقال في الاختيارات: "ويصح ضمان المجهول ومنه ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة وتجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه، لأن ذلك محل اجتهاد" انتهى.

فهذه المشاركات وما يترتب عليها من الالتزامات التى هى بمعنى الضمانات كلها من الأشباه والأمثال والنظائر التى يجب أن يقاس بعضها على بعض في الإباحة كشركة الأبدان وشركة الوجوه وشركة المفاوضة، ومثله شركة الكهرباء والأسمنت، ولأن حمل معاملة الناس وعقودهم وشروطهم على الصحة حسب الإمكان أولى من حملها على البطلان بدون دليل ولا برهان.. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>