للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الفقيه الحنفي العيني، كما في عمدة القاري: الوعد هو الإخبار بإيصال الخير في المستقبل، والإخلاف جعل الوعد خلافًا، وقيل عدم الوفاء به وفي مواهب الجليل ما معناه أن المواعدة في الاصطلاح الفقهي –أي المالكية وفقهائهم هم الذين يتكلمون في موضوع الوعد أكثر من غيرهم من الفقهاء- هي إعلان شخصين عن رغبتهما في إنشاء عقد في المستقبل تعود آثاره عليهما.

وقال الحطاب –وهو من فقهائهم المعتمدين- " المواعدة: أن يعد كل واحد منهما صاحبه بالتزويج- مثلًا- فهي مفاعلة لا تكون إلا من اثنين، وإن وعد أحدهما دون الآخر فهي العدة.

فالتعريف الاصطلاحي للوعد والعدة والمواعدة: قد اعتمد التعريف اللغوي السابق، فقرر الفقهاء الوعد والمواعدة والعدة التي هي للخير واستبعدوا الوعيد والإيعاد اللذين هما لشر فالوعد لابد أن يكون بمعروف فإذا كان الوعد بشر فلا يجب الوفاء به، إن يكن محرمًا. كما قاله العسقلاني في الفتح.

جـ- هناك عقود قد تشاكل الوعد من حيث الشكل والحكم والوفاء من أهمها: العهد، والنذر، والجعالة، والهبة.

فقالوا للفرق بين الوعد والنذر: أن زمن الوفاء بهما في المستقبل فيتشابهان من ذلك الوجه وكذلك الوفاء في بعض الحالات، لكن تلك المشابهة لا تمنع وجود الفرق بينهما فالنذر وإن كان فيه معنى الوعد فيه القربة إلى الله وحده، وفي عدم الوفاء به كفارة بخلاف الوعد. ولذا عرف كل من الروياني والماوردي الشافعيين النذر " بأنه: الوعد بخير خاصة، وعند غيرهما: التزام قربة لم تتعين.

وقالوا للفرق بين الوعد والعهد: إن العهد في اللغة الأمان واليمين والموثق والذمة والحفاظ والوصية فتقول: عهد الله على لأفعلن كذا وكذا. أما معنى الوعد في اللغة فهو ما أسلفناه. ولهذا قيل للتفريق بين الوعد والعهد: إن العهد يكون ويراد به ما تعبد الله به العبد من أمور الدين، أو ما يكون بين العباد مما يكون بخلفه إتلاف مال أو نفس أو إدخال ضرر كبير، أما الوعد: فهو فيما لا يتعلق به حق لمخلوق، وكان خلفه كالساهي، أو ما لا يؤدي إخلافه إلى ضرر كبير – فقالوا- فمن نقض عهده – من غير عذر شرعي فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب يستحق به الهلاك.. ومن أخلف وعده كان آثما ولكنه لا يبلغ فاعله إلى الكفر والهلاك.

هذا، وقد ذكر العسقلاني في الفتح: أنه قد يتحد معناهما ولعل دليل اتحادهما ما في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آَتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة ٧٥- ٧٧]

إذ بدأ الله بقوله {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} فلما أخلفوا رتب عليهم ما رتب عليهم من النفاق الأبدي ثم علله الله بقوله {بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ}

<<  <  ج: ص:  >  >>