للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال صلى الله عليه وسلم محذرا للمؤمنين ومنفرا لهم من عدم الوفاء: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) متفق عليه.

وكان صلى الله عليه وسلم ألزم الناس بالوفاء وأحسنهم وفاء بالعهد، فحينما صالح قريشا على وضع الحرب عشر سنين، يأمن فيها الناس، وكان من ضعف الشروط أن من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم، ومن جاء قريشًا ممن مع محمد لم يردوه عليه، وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب مع سهيل بن عمرو رسول قريش، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مؤمنا هاربا من قريش، فلما رأى سهيل أبا جندل أخذ بتلابيبه ثم قال، يا محمد قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتي هذا إليك، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم صدقت، فجعل يجره ليرده إلى قريش وأبو جندل يصيح بأعلى صوته، يا معشر المسلمين أرد إلى الكفار يفتنوني في ديني؟ فقال له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله، وإنا لا نغدر بهم، وعندما جاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أبو براء وعرض عليه الرسول الكريم الإسلام، فأبى ولكنه طلب من الرسول أن يبعث معه إلى أهل نجد من يعلمهم الدين، فبعث عليه السلام أربعين رجلا، فساروا حتى نزلوا بئر معونة، فبعثوا بكتاب رسول الله إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه الكتاب مزقه وقتل الرسول، وقتلوا البعثة كلها، ولم ينج منهم إلا عمرو بن أمية، الذي قابل في طريق رجوعه رجلين من بني عامر، فقتلهما ثأرا لأصحابه، ولم يكن يعلم أن معهما كتاب عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى وفاء النبي إلا أن يدفع إلى أهل القبيلتين ديتهما، فوعده يهود بني النضير بالإعانة رياء ونفاقًا، وأرادوا الغدر بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينجحوا فحاصرهم المسلمون وأجلوهم عن ديارهم.

لقد غرس الإسلام في نفوس المسلمين الوفاء حتى ولو كان ذلك العهد من عبد مسلم حبشي.

فما أروع هذا الوفاء الذي وفى به نبي الإسلام حتى ولو كان مرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>