يتضح مما تقدم أنه ليس من خلاف يؤثر عند أهل العلم في أن البيع في (الصورة الثالثة) باطل محرم، لكن لما أثريت في العصر الحاضر، وكتب فيها من كتب وجرى الخلاف بين الكاتبين فيها بين الجواز والمنع قرر المجيزون الجواز لعدة وجوه وهي أن الوعد ملزم وأن العين مرادة (حقيقة) في هذا العقد، فالعقد حقيقي، وليس صوريا: فالعميل يقصد الانتفاع بالعين ولا يريدها للتوصل إلى دراهم يحتاجها، وأن النهي عن بيع الإنسان ما ليس عنده: خاص فيما كان فيه البيع حالًّا بتسليم العين المباعة، أما إذا كانت العين المباعة مؤجلة إلى أجل محدود فلا، وينسحب عليهما حكم بيوع الآجال وإن النهي عن بيع المعدوم: هو ما كان المعدوم فيه مجهول الوجود في المستقبل، أما العين هنا فهي محققة الوجود مستقبلا حسب العادة (١) .
وأنه في هذه الصورة لو تأخر العميل في أداء الثمن لم يفرض عليه أي زيادة في الثمن.
وأنه على أقل الأحوال فإن الحاجة في التعامل داعية إليه كما دعت إلى السلم، والاستصناع واغتفر ما يعتريهما من الغرر تقديرا للحاجة، والحاجة هنا داعية لاتساع رقعة التعامل وتضخم رؤوس الأموال وحاجة المنشآت إلى دعمها بالآلات والمباني التي لا قوام لها إلا بها، فإن لم تتم تلك المعاملة وقع المسلم في حرج ومشقة الفوات لمصالح يريد تحقيقها، فإن لم تكن من هذا الباب، اضطر إلى (القرض بفائدة) ودينه يعصمه من هذا الربا المحرم، فليقرر هذا التعامل تحت وطأة الحاجة (الضرورة) والانتشال من المحرم وتحقيق مصالح المسلمين.
المبحث السابع: في الضوابط الكلية التي تجعل (بيع المواعدة) أي (المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية) – في دائرة الجواز وهي على ما يلي:
١- خلوها من الالتزام بإتمام البيع كتابة أو مشافهة قبل الحصول على العين بالتملك والقبض.
٢- خلوها من الالتزام بضمان هلاك (السلعة) أو تضررها من أحد الطرفين: العميل أو المصرف بل هي على الأصل من ضمان المصرف.
٣- أن لا يقع العقد للمبيع بينهما إلا بعد قبض المصرف للسلعة واستقرارها في ملكه.