للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسألة تحتاج إلى بحث:

يتبين لنا مما تقدم أنه لا خلاف بين الفقهاء، المتقدمين منهم والمعاصرين، في أنه يشترط لصحة بيع المرابحة للآمر بالشراء أن يتم عقد البيع بعد أن يتملك المأمور السلعة المطلوبة، عملا بالحديث الذي ينهى عن بيع الإنسان ما ليس عنده، كما يتبين لنا أن المتقدمين من الفقهاء اشترطوا لصحة بيع المرابحة للآمر بالشراء أن يكون للآمر الخيار في إنشاء العقد بعد أن يتملك المأمور السلعة، ولا يجوز إلزامه بإنشاء العقد؛ لأنه يؤدي إلى بيع المأمور السلعة قبل أن يتملكها، وقد أخذ بعض الفقهاء المعاصرين بهذا الرأي، وخالف بعض منهم، فجوز إلزام الآمر بإنشاء العقد، ولم ير فيه مخالفة للحديث؛ لأن البيع يتم بعد أن يتملك المأمور السلعة.

وظهر في أثناء النقاش في هذا الموضوع اتجاه ثالث يطالب ببحث ما يدل عليه حديث: " لا تبع ما ليس عندك"، هل يتناول النهي فيه كل ما ليس في ملك البائع عند العقد، سواء أكان شيئا معينا، أو موصوفا في الذمة، وسواء أكان مدخولا على تسليمه في الحال، أو بعد مدة من الزمان؟ أم يختص ببعض هذه الحالات؟

وقد كان لي رأي قديم في فهم هذا الحديث، كتبته قبل عشرين عاما، خلاصته أن النهي في الحديث يتناول بيع الإنسان ما لا يملك إذا كان مدخولا على تسليمه في الحال، ولا يتناول بيع الأشياء الموصوفة المتفق على تسليمها بعد مدة محددة من الزمان؛ لأن العلة في المنع هي الغرر الناشئ عن عدم القدرة على التسليم، وهذا الغرر يزول، أو يقل، إذا كان التسليم بعد مدة يغلب فيها تمكن البائع من الحصول على المبيع وتسليمه للمشتري، وأخذت من هذا أن بيع الاستيراد المتعارف عليه في عصرنا الحاضر لا يشمله النهي الوارد في الحديث (١) ، ولكني توقفت عن الفتوى بهذا الرأي عندما عرضت علينا مسألة من هذه القبيل في هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي السوداني، التي أتشرف برئاستها، وأصدرت الهيئة فتوى متمشية مع ما عليه الفقهاء من الأخذ بظاهر الحديث، ومنع بيع كل من ليس في ملك البائع، إلا أن يكون بيع سلم، وأرسلت بمذكرة في هذا الشأن إلى الهيئة العليا للفتوى والرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية طلبت فيها بحث هذا الموضوع، ولكن لم يتيسر بحثه إلى اليوم.

وقد خصص الدكتور أحمد علي عبد الله فصلا لهذا الموضوع في رسالته عن المرابحة: أصولها، وأحكامها، وتطبيقاتها في المصارف الإسلامية (٢) ثم قدم هذا الموضوع تحت عنوان " البيع على الصفة " في ندوة في الخرطوم شارك فيها بعض أعضاء هيئات الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية بالخرطوم، ولكن لم يصلوا فيه إلى رأي موحد.

وأقترح أن يبحث المجمع هذا الموضوع في دورته القادمة.

ونسأل الله التوفيق والهداية

الصديق محمد الأمين الضرير


(١) انظر كتاب الغرر وأثره في العقود ٣٢٠
(٢) رسالة دكتوراه أعدت في قسم الشريعة الإسلامية بكلية القانون بجامعة الخرطوم، الفصل الثالث (٢٦١- ٣٠٣) وصاحب الرسالة يعمل مديرا لإدارة الفتوى والبحوث ببنك التضامن الإسلامي بالخرطوم

<<  <  ج: ص:  >  >>