فدعوى المبيحين له بأن عقد التأمين على الحياة يقع بالتراضى وأن شركة التأمين تدفع العوض المتفق عليه بحالة الاختيار بدون إجبار وأنه لن يثير العداوة والبغضاء كما يثيرها القمار وأنه قد يخلف هذا المال لأولاده الضعاف الذين قد تحيط بهم الحاجة والفقر بعد موته. فهذا ليس على إطلاقه ولا يبرر انعقاده.
فدعوى انعقاده بالتراضى يبطله كون العقود المحرمة كلها تقع بالتراضى ولا يحللها رضى المتعاقدين، وقد سبق حكم الله بتحريمها وبطلانها.
وأما دفع الشركة للعوض بمقتضى الرضا بدون أن يقع فيه عداوة ولا بغضاء فهذا ليس على إطلاقة، فمتى أردت أن تعرف عدم صحته فافرض أن رجلًا اتفق مع شخص آخر على تأمين حياته لكون عقد التأمين على الحياة يصح من الفرد مع الفرد كما يصح مع الشركة، إذ الحكم واحد. فاتفق معه على أن يدفع المؤمّن على حياته قدر أربعة آلاف أو أقل أو أكثر مقسطة، بحيث يدفع في كل سنة جزءًا منها على حساب تأمين حياته عشرين سنة أو عشر سنين. أن مات في خلال هذه المدة المضروبة لزم الملتزم للضمان خمسون ألفًا أو أربعون على حسب ما يتفقان عليه، بحيث يدفعها إلى ورثة المؤمّن لحياته، فبعد إبرام العقد ودفع أول الأقساط توفى المؤمّن لحياته أفتراه يدفع هذا القدر الذي التزمه أي أربعين أو خمسين ألفًا إلى الورثة بطريق الرضى والاختيار، أم تراه يتهرب عن الدفع ويعمل ألف حيلة في الامتناع وعدم السماح بالدفع وعلى أثره يقع النزاع بينه وبين خصمه في حالة امتناعه، ثم تنعقد بينهما العداوة والبغضاء أعظم مما يقع بين أهل القمار؟!.
وفى حالة الاصرار على الامتناع تستدعيهما الحاجة والضرورة إلى الترافع إلى قاضى الشرع ليقطع عنهما النزاع ويريحهم من مشقة الخصام بالحكم بالعدل. أفترى هذا القاضى يحكم بالتزام الملتزم بدفع ما التزم به على نفسه، سواء كان أربعين أو خمسين ألفًا إلى ورثة المؤمّن على حياته، أم تراه يرد الأشياء إلى أصولها والفروع إلى نصوصها، فيحكم بإرجاع ما قبضه كل واحد منهما، ثم التحاسب فيما لكل واحد منهما أو عليه لا وكس ولا شطط، عملًا بقوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .