فالبيع يشتمل على شراء السلعة من الطرف الآخر والذي قد يكون وسيطا أو منتجا حيث يدور المال دورته في المجتمع.
ولو أننا سلمنا باشتراط توفر الخطر المحتمل لكان هناك إمكان اعتراض على كثير من العقود لفقدان الضابط في المعيار.
فإذا كانت الأرض لا تنقص ولا تستهلك وبالتالي فإنها لا تصلح للتعاقد على شرائها بالمربحة للآمر بالشراء حيث لا توجد مخاطرة برأس المال، فماذا يكون الموقف لو كان المبيع آلة كالسيارة مثلا حيث يتعهد البائع الأول بتحمل تبعة الهلاك إلى أن يتسلمها المشتري الأخير وكذلك مسؤولية رد السيارة لوجود العيب الخفي الذي قد يكتشفه المشتري الثاني؟..
فالواضح هنا أن البائع الأول الوسيط هو في موقع الضمان والأمان بحيث إنه لا يتحمل تبعة الهلاك إلى أن يتسلم السيارة المشتري الأخير ويوافق على شكلها ووصفها ونوعها، وكذلك فإنه لا يتحمل مسؤولية الرد للعيب وإن كان يتلقاه إلا أنه ينقله مباشرة إلى البائع الأصلي.
لذلك فإني الذي نراه – والله أعلم – أن العبرة في البيع الحلال هو تحول المال من صورة إلى صورة وذلك لأن راس المال النقدي هو أداة وساطة.
ولعل هذا هو ما يرشد إليه ذلك التوجيه الذي رد به الرسول صلى الله عليه وسلم تصرف بلال رضي الله عنه – حين أتاه بتمر خيبر وكله من الجنيب " النوع الجيد " فقال له صلى الله عليه وسلم حين أعلمه بلال بأنه قد قايض صاعين من الجمع ((التمر غير الجيد)) بصاع من الجنيب، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم – ((يا بلال إنه عين الربا، إذا أردت ذلك فبع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيبًا.))
وهذا يدل – في نظر الباحث – أنه عندما كانت العلاقة ثنائية فإن التبادل قد ظل محصورًا بين من يملك التمر بأنواعه (من الجمع والجنيب) فكان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حقيقة التداول عن طريق توسيط النقود حيث يتحول التمر من الجمع إلى نقود وتتحول النقود إلى التمر الجنيب. فيستطيع من يملك النقود وليس لديه تمر أن يشتري بنقوده تمرا، كما يستطيع من يملك التمر ولا يجد النقود أن يبيع التمر بالنقود.
لذلك فإن مبنى البيع في نظرنا هو تحول المال من صورة إلى صورة أخرى لما في ذلك من منافع للمجتمع المتكافل حيث يريد الله للناس أن يسيروا في طريق الخير ليبتغوا من فضل الله، وهذا هو المقصود والله أعلم بالمراد.