ولا يستطيع مسلم – يقدر شرع الله حق قدره ويستطيع أن يتلمس أصول الشريعة وقواعدها المبنية على العدل الذي يمنع الجور ويقر الرحمة التي تزيل مسببات الضرر والإضرار – أن يتجاهل منطق الشريعة استمساكا بمقولة رأي اجتهادي مبنى على أن الوفاء بالوعد ملزم ديانة وليس ملزما بالقضاء.
وإن ما نسأل به أصحاب هذا الرأي القائلين بعدم الإلزام في الوعد بالقضاء، لأن الوفاء بالوعد هو من مكارم الأخلاق وليس من مقاطع الحقوق فنقول لهم بأن مكارم الأخلاق هي مرحلة متقدمة من مراحل الرقي الاجتماعي وهو الصدق الذي وصلت به بعض الأمم إلى ما وصلت إليه من تقدم في الصناعة والتجارة والأعمال، وأنه لا يمنع في نظرنا أن تصبح مكارم الأخلاق مؤيدة بالزواجر التي تحض على الصدق وتعاقب على الكذب. وأنه عندما تصل الأمور إلى انفتاح أبواب الضرر والإضرار بمصالح الناس. فإن تدخل ولى الأمر لدرء الضرر يكون واجبا وليس مستحبًا فحسب ومن هنا وجد ميدان العقوبات التعزيرية مجاله الخصيب حيث يستطع الراعي لشؤون الرعية أن يحدث للناس من الأقضية بقدر ما يحدثون من الفجور.
لذلك فإن ما نراه بالنسبة إلى من يتمسكون إلى النهاية بالرأي القائل بعدم الإلزام بالوعود في العقود مبني على وجوب الأخذ بمبدأ التعويض عن الضرر الذي قد يحصل من جراء هذا النكول. فإذا كان النكول من طرف الآمر بالشراء فلم ينفذ ما وعد بشرائه مما أدى إلى أن يبيع المأمور بالشراء السلعة التي لم يكن ليشتريها لولا هذا الأمر المصحوب بالوعد من قبل الآمر، فإن على الناكل عن الوعد أن يتحمل هذا الإضرار الحاصل لأنه لا يهلك حق في الإسلام. وإذا صدر الإخلال بالوعد من قبل المأمور الذي جلب السلعة المطلوبة منه ثم امتنع عن بيعها للآمر بالشراء مما ترتب عليه قيام الآمر بشراء بدل عنها من السوق بسعر أعلى، فإن ذلك الضرر الذي يتحمله الآمر يجب جبره ويقع عبء ذلك على المأمور بالشراء.
وهكذا تتوازن الأمور في ظلال الشريعة التي أنزلها رب العباد هداية للناس ورحمة بهم عن التظالم والوقوع في الهوى والانحراف عن السبيل المستقيم.
ونسأل الله – سبحانه وتعالى – أن يزيد الباحثين المتفقهين في شريعته نورًا على نور لكي يبصرنا بالأحكام التي أنزلها الله خاتمة للأديان ومبنية على قواعد العدل والإحسان.