وبما أن المصرف الإسلامي يجري المرابحة عن طريق استيراد ما يحتاجه العميل، ومن خلال البيانات التي يقدمها العميل عن البضاعة وعن المصدر، وقد يكون في ذلك بعض التوريط للمصرف إذا تعامل مع مصدر لا يعلم جديته في التعامل وأمانته فيه، وقد يدفع له الثمن أو جزءًا منه – من خلال فتح الاعتماد - ثم لا يفي بما التزم تجاه المصرف، وحينئذ يحتاج الأمر إلى جهد كبير لاستخلاص المصرف حقه ومع هذا الجهد قد يرجع بخفي حنين، وهذا ما دعا بعض المصارف إلى أن تطلب من الواعد قيامه بكفالة المصدر – وهي معاملة مستقلة عن المرابحة وإن كانت قد أصبحت من إجراءات أسلوبها المتبع لدى بعض المصارف.
على أن الالتزام الذي تغطيه هذه الكفالة ليس هو التزام البيع بالمرابحة؛ لأنه لم يحصل بعد، وإنما هو نتيجة التزام مستقل، وهو التزام تبعي للالتزام الأصيل بين المصرف وبين المصدر الذي منه يتم الحصول على السلعة موضوع المرابحة.
ج- تخفيض الثمن بالسداد المبكر:
لا يخفى أن أسلوب المرابحة يشتمل على البيع بالأجل، والأجل في البيع له حصة من الثمن، لكنها مدمجة فيه وعليه لا يمكن شرعًا أن يزاد الثمن إذا زاد الأجل، كما لا يمكن أن ينقص إذا نقص الأجل.
وهاتان الحالتان من صور الربا في الجاهلية ويطلق على الأولى (زِدْنِي أُنْظِرْك) وعلى الثانية (ضع وتعجل) ..
وبما أن أسلوب المرابحة، بل بيع الأجل نفسه يتم في ساحة ترتبط فيها الأسعار بالفائدة وحساباتها الزمنية فإن من يشتري بالأجل لمدة ما، ثم يقوم بالسداد قبل مضيها يشعر أنه قد غبن؛ لأنه اشترى حالًّا بسعر الآجل، مما أدى بالمصرف المركزي بباكستان إلى إصدار تعليماته للمصارف بشأن التزام تخفيض الثمن في حالة السداد المبكر. (١)
ولا يخفى ما في ذلك من خلل شرعًا، بالرغم من وقوع الخلاف في قاعدة " ضع وتعجل " فإن ما استقر عليه الفقه منع الحط من الثمن المؤجل إذا تم تعجيله ما دام ذلك الحط بشرط ملفوظ أو عُرْف ملحوظ.
(خامسًا)
أساليب وصيغ طرحت في شأن المرابحة
لقد أتى على المصارف الإسلامية حين من الدهر لم تزل – إلى جانب خدماتها المصرفية - متشبثة في جوهر أعمالها الاستثمارية بالتجارة في ظل قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . [البقرة: ٢٧٥]
فإن إقدامها على التجارة لا يحصل بالصورة التقليدية المتبعة في الأسواق والتي يصدق عليها قول القائل: (وفازَ باللذةِ الجسورُ) بل إنها – في ظروف استئمان أصحاب الأموال إياها ومناشدتهم لها بلسان الحال في مزيد الحرص على مصالح المودعين المستثمرين في سلامة رأس المال وريعه ما أمكن- لا تتردد في توفير أي ضمان أو أمان لا يخل بقاعدة الرحب الحلال المتمثلة في (الغرم بالغنم) و (الخراج بالضمان) ولا يوقع المتعامل في المحذور بظلم المراباة أو التجارة باختلال التراضي وحصول الخلابة.. والمصارف الإسلامية إن وجدت في (بيع المرابحة المسبوق بالمواعدة) واحة الأمان ليس لها أن تكتفي به؛ لما يعتري هذا الأسلوب من الاحتمالات الناشئة عن إلزامية الوعد وعدمها، ولكثرة الصور العملية التي تستدعي فيها الأسواق اتباع أسلوب المبادرة لتوفير ما يظن اتجاه الرغبات إليه، ولو كانت غير معينة ولا موثقة بالوعد المحترم.
(١) أشار إلى ذلك د. جمال الدين عطية في كتابه على البنوك الإسلامية.