ومن ناحية أخرى فإن التطبيق المصرفي السليم لعمليات المرابحة يتطلب خلافًا لما قد يسود لدى بعض العاملين بالبنوك الإسلامية- درجة عالية من المعرفة لظروف السوق وتطور الطلب على السلع المختلفة فيه وجهازًا فنيًا قادرًا على تحليل المناخ العام للسوق واتجاهات السياسة الاقتصادية في الأجل القصير والطويل وشبكة مصادر المعلومات لتأمين ما يكفي من بيانات عن المصادر البديلة للسلع ومواصفاتها وأسعارها فضلًا عن الاستعلامات المطلوبة عن العملاء طالبي التمويل. وتوافر ذلك يعني إمكانية قيام البنك بدوره المفترض كتاجر –وليس كممول فحسب- يحصل على السلعة من أفضل مصادرها بأقل تكلفة ممكنة وأفضل شروط متاحة مما يعني توفيرها للعميل بكل هذه المزايا فضلًا عن تأمين ربحه وتقليل المخاطر غير المحسوبة التي قد تنشأ من قصور المعلومات عن العميل أو عن ظروف السوق المحلي وهو ما يخل بدور البنك "كمضارب" في أموال المودعين. ولا شك أن توافر الأفراد القادرين على القيام بهذه المهام إنما يندرج كذلك في باب أمانة التعامل حيث إن العميل هنا –خاصة في حالة إلزامه بوعده بالشراء- إنما يقبل الثمن الذي يحدده البنك بناء على كل ما تكلفه بالفعل فإن لم يكن قد تحرى كل السبل التي تكفل له الحصول على أفضل الأثمان وأحسن الشروط اعتمادًا على التزام العميل فقد شاب تعامله في رأينا- الكثير.
وبعيدًا عن تلك المتطلبات الأساسية التي أشرنا لبعضها فإن الصورة التي تم بها تطبيق صيغة المرابحة في الواقع العملي قد أسفر عن بعض الآثار السلوكية السلبية التي انعكست على مودعي البنوك الإسلامية ومتخذي القرار فيها في الوقت ذاته. ولعل من أهم تلك الآثار السلبية هو ترسيخ سلوك انتظار الربح السريع لدى المودعين من ناحية وسلوك تجنب المخاطر – أو ما يتصور أنه تجنب مخاطر- مع الرغبة في زيادة هامش الربح ما أمكن لدى متخذي القرار في البنوك الإسلامية وهو ما أدى بالتالي إلى سيادة معيار للتقييم يرتكز أساسًا على معدلات الربح المحققة بمعرفة البنك دون ما نظر إلى غيرها من المعايير الأخرى مثل الإسهام في تحقيق "مجتمع المتقين" الذي يسعى إليه العمل الإسلامي أو توفير فرص العمل للمحتاجين أو غيرها مما ينبغي أن تكون مكونات أساسية في دالة ربح البنك والمودع على حد سواء.
وقد أدى تفشي هذا السلوك – الذي انعكس في توجيه جانب متزايد من الموارد المتاحة لعمليات المرابحة قصيرة الأجل- إلى عدم توجيه الجهد الكافي لتكوين الكادرات الفنية القادرة على العمل في مجال التوظيفات متوسطة الأجل وطويلة الأجل وهي عصب جهاز الاستثمار الذي يتصف بضعفه الشديد في معظم البنوك الإسلامية ومن ثم بدا الأمر وكأنه يدور في دائرة مغلقة فتوجه الموارد إلى التوظيف نتيجة للرغبة في الربح العالي ذو درجة المخاطرة القليلة- مما انعكس على عدم الاهتمام بجهاز الاستثمار وهو ما أدى بالتالي إلى صعوبة توجيه الموارد للتوظيف الطويل وإن وجدت النية ومن ثم توجيه مزيد من الموارد للتوظيف القصير.