للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المبحث الثالث: تقدير التعويض والوقت الذي يجب فيه:

يقدر القاضي التعويض بالاستعانة بالخبراء ويلاحظ ما حدث من الأضرار المادية الملموسة والواقعة فعلًا. أما الأضرار المحتملة فإن كان وقوعها مؤكدًا فهي في حكم الواقعية. وأما ضياع المصالح والخسارة المنتظرة غير المؤكدة فلا يعوض عنها في أصل الحكم الفقهي، لكن يمكن أن نجد مستندًا لها في السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي فيما لا نص عليه. وذلك عملًا بمبدأ السياسة الشرعية من إحقاق الحق وتقرير العدل ودفع الحرج والمشقة وأخذًا بمشروعية التعزيرات أو الغرامات المالية، يفعل القاضي ما يراه حسب الحاجة.

والمبدأ العام في تعويض الأضرار الناشئة عن ضمان اليد أو المسئولية التقصيرية هو المماثلة بين التعويض والضرر؛ لأن ضمان الإتلاف ضمان اعتداء، والاعتداء لم يشرع إلا بالمثل في النص القرآني، وفي ضمان العقد أو المسئولية العقدية لا يشترط التقيد بالمثل وإنما ينفذ الشرط المتفق عليه قدر الإمكان عملًا بقاعدة يلزم مراعاة الشرط قدر الإمكان. (١)

أما الوقت الذي يجب فيه التعويض فنفرق بين ما تلف بطريق الغصب أو بغير غصب. فأما الغصب فاختلفت آراء الفقهاء في الوقت الذي يجب فيه الضمان على أقوال متعددة. فمنهم من قال: إنه تجب القيمة أو المثل يوم الغصب، ومنهم من قال: يوم انقطاعه عن الأسواق، ومنهم من قال: يوم الحكم بهلاكه ووجب الضمان على الغاصب. (٢)

أما الحالة الثانية، وهي تلف الشيء بدون غصب فلا خلاف بين الفقهاء في أن القيمة تجب يوم الهلاك. وعلى هذا تجب قيمة الشيء المستعار وقت التلف، وفي الرهن تجب القيمة وقت القبض إن كان المرتهن هو الذي أتلف المرهون، وإن كان المتلف هو الأجنبي أو الراهن فتجب قيمته يوم التعدي.

أما القانون المدني فيرى أن التعويض مقياسه الضرر المباشر. فهو في أية صورة - كانت - يقدر بمقدار الضرر المباشر الذي أحدثه الخطأ. والضرر المباشر يشتمل على عنصرين جوهريين هما: الخسارة التي لحقت المضرور والكسب الذي فاته. فهذان العنصران هما اللذان يقدمهما القاضي بالمال.

وتنص المادة ١٧٠ مدني على أن يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق بالمضرور فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعيينًا نهائيًّا فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير (٣) والظروف الملابسة التي يذكر النص أنها تراعى في تقدير التعويض هي الظروف الشخصية التي تحيط بالمضرور لا الظروف الشخصية التي تحيط بالمسئول.

والأصل أنه لا ينظر إلى جسامة الخطأ الذي صدر من المسئول وإنما يقدر التعويض بقدر جسامة الضرر لا بقدر جسامة الخطأ، وفي حالة تغير الضرر ما بين وقت وقوعه إلى يوم النطق بالحكم فإن هذا التغيير يدخل في الحساب عند تقدير التعويض، فالعبرة إذن في تقدير التعويض بيوم صدور الحكم اشتد الضرر أو خف. وإذا كان الضرر لا يتيسر تعيين مداه تعيينًا نهائيًّا وقت النطق بالحكم جاز للقاضي أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب في خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير وفقًا لنص المادة ١٧٠ مدني.


(١) انظر – جمال الدين عطوة- المسئولية التعاقدية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة- ص ٣٨٠
(٢) انظر – جمال الدين عطوة- المسئولية التعاقدية في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة- ٣٨٠
(٣) التقنينات العربية الأخرى – القانون السوري المادة ١٧١، والقانون الليبي – المادة ١٧٣، والقانون العراقي المادة ٢٠٧، ٢٠٨، والقانون اللبناني المادة ١٣٤ /٥٢١ – انظر د. السنهوري – الوجيز ٣٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>