وقد تمت دراسة التوزيع القطاعي للتمويل بالنسبة لخمسة قطاعات رئيسية هي الزراعة، والإنتاج الصناعي، والصناعات الخفيفة، والعقارات، والتجارة، ولم تتجاوب البنوك في هذه الناحية وكانت الأجوبة في الحقيقة من ثلاثة بنوك فقط، وتم تحليل المعلومات لعلها تلقي بعض الضوء على مسار التسهيلات الائتمانية لدى البنوك الإسلامية، وأشارت المعلومات المتوفرة إلى أن معظم التمويل يتجه إلى قطاع التجارة، حيث وصلت نسبة الاستثمار في التجارة لدى بعض البنوك إلى ٩٠ % من مجموع التمويل، وإذا جاز أن نأخذ أي بنك إسلامي مثالًا يحتذى لكل البنوك، فإن من المنتظر أن تتناقص حصة التجارة من مجموع التمويل كما حدث في البنك الإسلامي الأردني حيث ارتفعت حصة القطاعات الأخرى على حساب قطاع التجارة، فقد تبين من تجربة البنك الإسلامي الأردني، وبنك بنجلاديش الإسلامي، أنها يمولان قطاع الإنتاج الصناعي على نطاق كبير، وهذا مؤشر على صحة العمليات ويبشر بأن يزيد تمويل هذا القطاع، ونأمل مع مرور الوقت أن تتمكن البنوك الإسلامية من تعهد تمويل المشاريع بالرعاية.
هناك حقلان من حقول الاقتصاد لم يصلهما إلا القليل من أموال القروض في البنوك الإسلامية، هما الزراعة والصناعات الخفيفة، وهذان القطاعان في ضوء الأوضاع الاقتصادية للأقطار الإسلامية هما أكثر القطاعات استبعادًا من قبل أصحاب الأموال المتوفرة للإقراض، فالمعلومات التي بين أيدينا تشير إلى أن حصة الزراعة والصناعات الخفيفة من مجموع التمويل لم تكن شيئًا مذكورًا، ومن الممكن تعليل عدم تحمس البنوك الإسلامية لتمويل هذين النشاطين: تغلب على البنوك الإسلامية صفة البنوك التجارية، وفي أوائل عهدها، كانت السلامة
وسرعة المردود تهيمنان على سياسة الإقراض لديها وبالتالي كان تمويل الزراعة أكثر خطورة، أما الصناعات الخفيفة فمعظمها ينقصه التنظيم، وهذه العوامل تبرر ضعف التمويل الموجه للزراعة وعلى كل حال فإن هذا حقل يستطيع التمويل البنكي الإسلامي أن يثبت فيه دوره الاجتماعي والاقتصادي في دفع التنمية الاقتصادية في الأقطار الإسلامية، ولابد من تأمين بعض المتطلبات الأساسية قبل أن تتمكن البنوك الإسلامية من أداء هذا الدور، فلا بد لها من فتح فروعها في المدن الصغيرة والقرى ليسري التعامل البنكي الإسلامي في الشعب، إذ تتركز البنوك الإسلامية في الوقت الحالي في المدن الكبيرة، وقد وجهنا إلى البنوك الإسلامية في دراستنا هذه سؤالًا عن مدى رغبتهم في فتح فروع جديدة في المناطق الريفية، وكانت ردود معظمهم بالإيجاب، وقد يكون هذا دافعًا لتوجيه مصادر التمويل نحو التنمية الاقتصادية.
يبقى على البنوك الإسلامية أن توجه عنايتها إلى تمويل النشاطات الزراعية فأي وسائل الائتمان تناسب حقل الزراعة؟ كيف نتغلب على عدم وضوح الرؤية بالنسبة لجودة المحصولات كمية ونوعًا في سنة ما؟ هل نطلب كفيلًا ثالثًا؟ ولابد أن تواجه هذه الأسئلة تمحيصًا وتدقيقًا قبل أن تقدم البنوك الإسلامية على تمويل الزراعة. .
نأتي أخيرًا إلى آجال التسهيلات الائتمانية، حيث كشفت هذه الدراسة أن معظم البنوك الإسلامية تقرض الأموال إلى آجال تتراوح بين ٦ أشهر وسنة واحدة، وليس لدى هذه البنوك حاليًا إمكانات مادية للآجال قصيرة الأمد جدًا مثل اليوم أو الأسبوع، حيث تستطيع أن تستثمر الأموال وتصفيها بسرعة حتى يلزم ذلك، وفي الحقيقة فإن تطوير مثل هذه القدرات المالية لدى البنوك الإسلامية يستلزم قيام سوق ثانوية حيث يمكن أن يتاجر من خلالها بهذه الأنواع من التمويل، والجهود قائمة لتأمين ذلك من بعض البنوك، ولن نقطف ثمرات تلك الجهود إلا بعد مدة ما، أما بالنسبة للإقراض الطويل الأجل فإنه يلاحظ أن بعض البنوك الإسلامية بدأت تميل إلى تبني ذلك الإقراض الطويل الأجل، وإلى أن يتم ذلك لابد لهذه البنوك الإسلامية من زيادة تجربتها وتطوير خبراتها. .