بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد، فعندما قامت المصارف الإسلامية جعلت شعارها قول الحق تبارك وتعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: (٢٧٥) ] ورأت في بيع المرابحة للآمر بالشراء بديلًا عن الإقراض الربوي الذي تقوم به البنوك الربوية، وثار الجدل ولا يزال حول مشروعية هذا البيع كما تجريه المصارف الإسلامية، فذهب فريق من فقهاء العصر إلى أن هذا البيع لا يختلف في جوهره عن بيع المرابحة المعروف في الفقه الإسلامي كنوع من بيوع الأمانة.
وذهب آخرون إلى أن منهج البنوك الإسلامية في هذا المسمى بالبيع لا يختلف عن منهج البنوك الربوية في الإقراض الربوي، واستدل كل فريق بأدلة كثيرة رأيناها في الأبحاث المقدمة كما رأينا هذا أيضًا في الصحف، والمجلات، كما نشر أكثر من كتاب يبحث هذا الموضوع.
ومن الفتاوى الجماعية المبكرة في هذا الموضوع ما صدر عن المؤتمر الأول للمصرف الإسلامي الذي عقد بدبي سنة ١٣٩٩هـ (١٩٧٩) أي بعد أربع سنوات من ظهور أول مصرف إسلامي، ونص الفتوى هو ما يلي:"يطلب العميل من المصرف شراء سلعة معينة، يحدد جميع أوصافها، ويحدد مع المصرف الثمن الذي سيشتريها به العميل بعد إضافة الربح الذي يتفق عليه بينهما، وهذا التعامل يتضمن وعدًا من عميل المصرف بالشراء في حدود الشروط المنوه عنها، ووعدًا آخر من المصرف بإتمام هذا البيع بعد الشراء طبقًا لذات الشروط، ومثل هذا الوعد ملزم للطرفين قضاء طبقًا لأحكام المذهب المالكي، وملزم للطرفين ديانة طبقًا لأحكام المذاهب الأخرى، وما يلزم ديانة يمكن الإلزام به قضاء إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأمكن للقضاء التدخل فيه".
ولعل المؤتمر لم يأخذ حظه من الإعداد الكافي، والفتوى ينقصها الدقة، فبيع المرابحة كما تجريه المصارف الإسلامية لا يجيزه المذهب المالكي، فضلًا عن أن يلزم به وعارض الفتوى كثير ممن حضروا المؤتمر وممن لم يشاركوا فيه، ومع هذا فالمؤتمر يعد خطوة أسهمت في مناقشة الموضوع من جوانبه المختلفة، ومهدت لعقد مؤتمرات أخرى للمصارف الإسلامية ولغيرها. .