للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أفتى بأن: (من باع بالقروش قبل ورود الأمر السلطاني، وقبل قبض الثمن، وورد الأمر بتراجع أسعار النقود، كالريال، وأنواع الذهب فعلى المشتري أن يدفع ما يعدل القرش بحساب العرف من أي نوع كان بالسعر الذي يروج به وقت القبض برضى البائع) . وللبائع طلب المسمى في عقد البيع، أو مثله، فإن كانت القروش المسكوكة موجودة بأربعين مصرية – كما كانت أولا – فله طلب ذلك، وإن لم تكن فتجري فيها أحكام الكساد والانقطاع والغلال والرخص ... أي على المذهب الحنفي كما فصلناه سابقا – ثم قال: فعلى كل حال: الواجب أما عين القروش أو القيمة المعروفة كل وقت يوم البيع والقبض وغيره، فإذا دفع من النقود كالريال، وأنواع الذهب، فإنه يدفع برضى البائع بالسعر الذي يروج به يوم القبض، ويعدل القرش المسمى في العقد. ثم قال: وليس المشتري مخيرا في دفع أي نوع شاء إلا فيما كان مستويا في الرواج والمالية والجنس واحد ... فإذا أراد المشتري دفع الريال بدل القروش بالسعر الرائج وأبى البائع لا يجبر البائع على القبض لاختلاف المالية، فكيف يجبر على قبضه بالسعر القديم، هذا لا قائل به، وليس للمشتري أيضا جبر البائع على أخذ الذهب مكان القروش ... فإذا كان لا يجبر على قبض الذهب، ولا على قبض غير المسمى مما اختلفت ماليته فكيف ينبغي القول في وجوب إعطاء النقود بالسعر القديم؟ فإن أورد مسألة رخص الفلوس فجوابه: أن مسألة الغلاء والرخص في المسمى في بالعقد، لا في غير النقود. ثم قال مقررا: فالظاهر من النقول – نصا ودلالة – أنه يفتي بدفع النقود على السعر الرائج بعد الأمر بحساب القرش بأربعين مصرية ثم قال: ومثل البيع الإجارة كما إذا أجر بمائة قرش. ولم يقبض الأجرة فإنه يرد له مثل ما يقبض ريالا أو ذهبنا لا يعتبر غلاؤه ورخصه (١) .

ويظهر من وجه الحكمين في المسألة أن رأي ابن عابدين أرجح في ميزان القواعد الشرعية، وأحرى بتحقيق مقصود الشارع في استقرار المعاملات، ورفع الضرر ما أمكن، فإن حجة الحسيني أنه ليس للمشتري الخيار حال اختلاف السعر الرائج لاختلاف المالية. هذا أمر مسلم بنى عليه رأيه في عدم إجبار البائع أن يقبض بالسعر القديم وكذا ليس للمشتري جبر البائع على أخذ الذهب مكان القروش، وهذا قياس أو استنتاج خاطئ لأن عدم جواز إجبار البائع بالسعر القديم إنما سببه اختلاف المالية، وهذا عين الدعوى إذ مع تساوي المالية لا نزاع، ولاختلاف المالية لم يجبر أحد منهما؛ لأن الضرر متحقق في التخير لأيهما، ولذا فتقرير الدفع بالسعر القديم أو الجديد كلاهما ضرر فاختيار أحدهما تحكم في تخصيص أحدهما بالضرر.

وحجة ابن عابدين أرفق بالعاقدين فلا تخصيص لأحدهما بالضرر بل يتوزع عليهما بالصلح فيدفع الوسط. وبدونه يحدث الضرر فإن جعل الخيار للدافع يجعل الضرر على البائع شديدا؛ لأن الدافع سيختار الأكثر رخصا. وفيه ضرر لا مبرر له وكون الخيار له في الأصل حيث تساوى في المالية أما مع اختلافها فيتحقق الضرر. والضرر مرفوع للحديث " لا ضرر ولا ضرار "

الدكتور عجيل جاسم النشمي


(١) انظر تفصيل ذلك في رسالة تراجع سعر النقود بالأمر السلطاني، للشيخ الحسيني: ص ١١١ – ١١٩ ضمن مجلة أبحاث الاقتصادي الإسلامي

<<  <  ج: ص:  >  >>